محاربة الفساد وتقوية الاقتصاد كفيلان بعدم عودة داعش للعراق
د. عباس كاظم
موسوعة "المجلس الاطلسي "الامريكية/ الترجمة:محمد شيخ عثمان
لقد تمت الإشادة بالانتخابات العامة التي جرت عام 2014 باعتبارها دليلاً على تفاني العراق في عملية التحول الديمقراطي التي بدأت بعد الغزو الأمريكي عام 2003، مما يمثل علامة فارقة أخرى على طريق ترسيخ الديمقراطية.
لقد جاء رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي تولى رئاسة الوزراء لفترتين، إلى طاولة المفاوضات مسلحاً بتفويض انتخابي ساحق . كما حقق بعض الإنجازات الكبرى خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه، بما في ذلك محاكمة وإدانة وإعدام الدكتاتور صدام حسين وانسحاب القوات الأمريكية عن طريق التفاوض عام 2011 والذي أعاد السيادة العراقية الكاملة.
ومع ذلك، افتقر رئيس الوزراء المالكي إلى الشعبية حيثما كان الأمر مهماً: النخبة السياسية، التي قررت مرحلة ما بعد الانتخابات ولم تكن تفضل منحه فترة ولاية ثالثة.
بينما كانت كل الأنظار مسلطة على الخلافات بشأن تشكيل الحكومة، قامت جماعة إرهابية تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بمداهمة مدينة الموصل في محافظة نينوى في 10 يونيو 2014.
واستولت على كامل الأراضي في عملية واحدة. ساعات، بهدف وقح يتمثل في إقامة خلافة إسلامية تشمل العراق وسوريا، وفي نهاية المطاف المنطقة بأكملها، والحكم بموجب نسختها من الإسلام.
وقد شجع الانهيار الكامل لثلاث فرق من الجيش العراقي الإرهابيين وسمح لهم بالسيطرة على معظم محافظة صلاح الدين.
ومع سيطرة تنظيم داعش على معظم محافظة الأنبار منذ كانون الثاني/يناير 2014، تمكن من السيطرة الكاملة على ثلث أراضي العراق في غضون أيام قليلة.
وأصبحت الحكومة العراقية مشلولة بسبب عدم إحراز تقدم في المفاوضات السياسية بعد الانتخابات، واستمرار انهيار القوات المسلحة، ونقص الدعم العسكري من المجتمع الدولي.
في 13 يونيو/حزيران 2014، بينما كان تنظيم داعش على وشك الاقتراب من بغداد، أصدر آية الله العظمى علي السيستاني، أعلى علماء الدين الشيعة، فتوى نادرة تدعو "المواطنين العراقيين إلى الدفاع عن البلاد وشعبها وشرف شعبها". مواطنيها وأماكنها المقدسة”. وتطوع عشرات الآلاف للدفاع عن البلاد ومساعدة الحكومة في محاربة التهديد الوجودي الأكبر الذي واجهه العراق منذ تأسيسه في عام 1920.
كانت محاربة داعش وهزيمتها أحد أهم إنجازات الشعب العراقي، حيث أظهرت صمود الأشخاص الذين دافعوا عن كرامتهم الوطنية ودافعوا عن حريتهم في وقت لم يكن فيه أحد مستعدًا أو راغبًا في الدفاع عنهم، بما في ذلك حكومتهم. .
على الرغم من مشاركة دول أخرى – زودت إيران بغداد بالأسلحة بعد وقت قصير من غزو داعش، وشكلت الولايات المتحدة تحالفًا لتقديم المشورة واللوجستيات والدعم الجوي بدءًا من أغسطس 2014 – إلا أن أيًا من هذه الجهود لم تكن ذات أهمية لو لم ينبر العراقيون للدفاع عن ديمقراطيتهم الناشئة، وإن كانت معيبة وغير مؤكدة.
لو استسلم العراقيون في اللحظات الحرجة بعد 10 يونيو/حزيران 2014، كما استسلمت قواتهم المسلحة، لشهدت أحلامهم الديمقراطية نهاية كارثية تشبه إلى حد كبير ما حدث في أفغانستان في ظل ظروف مماثلة في عام 2021.
رفض العراقيون العاديون المنظمون ذاتيا رؤية ديمقراطيتهم. تسليم بلدهم إلى منظمة إرهابية أو ترك أنفسهم تحت رحمة المتطرفين الدينيين.
وأعادت أعمالهم الشجاعة في الأيام الأولى للأزمة الروح المعنوية للقوات المسلحة العراقية وأحيت ثقة المجتمع الدولي في مستقبل العراق.
وما تلا ذلك كان مسألة وقت لتخطيط وإدارة معركة تحرير الأراضي التي استولى عليها داعش ووقف حكمه القائم على القمع المدني المنهجي والقتل الجماعي .
في السنوات التي أعقبت هزيمة داعش عام 2017، أحرز العراق تقدمًا إيجابيًا على الرغم من التحديات الخطيرة.
وبعد أن تحملت الدروس المؤلمة من عام 2014، أعادت تنظيم قواتها المسلحة لمنع حدوث انهيار أمني مماثل. وتقف هذه القوات اليوم من بين القوات الأكثر ثقة واستعدادًا للقتال في المنطقة، وبعض مكوناتها، مثل قوة مكافحة الإرهاب، تؤدي أداءً على قدم المساواة مع نظيراتها الدولية.
وقد اكتسب القادة العراقيون ونظراؤهم في الدول الحليفة، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، الثقة في كفاءة وأداء القوات المسلحة العراقية، مما دفع إلى المناقشات حول انتقال التحالف العالمي لهزيمة داعش، الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم ثمانين شخصًا. - أربع دول أخرى، في اتفاقيات ثنائية بين العراق وأعضاء التحالف، مع التركيز على التعاون الأمني المستمر وبناء قدرات قوات الأمن العراقية.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أعلن في كانون الثاني/يناير الماضي، عن “بدء الجولة الأولى من الحوار الثنائي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء مهمة التحالف في العراق”.
كما طلبت الحكومة العراقية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنهاء تفويض بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بحلول نهاية عام 2025، بحجة أن العراق لديه الآن مؤسسات ناضجة للتعاون مباشرة مع المنظمات الدولية مثل الدول الأخرى. وفي 31 مايو/أيار، صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع بالموافقة على الطلب العراقي.
ووصفت الحكومة العراقية هذه التطورات بأنها نهاية علاقات الطوارئ وبدء حقبة جديدة من التعاون الطبيعي مع المجتمع الدولي، مع ترك الحكم العراقي الداخلي لمؤسساتها التي اكتسبت القدر الكافي من النضج والكفاءة.
معالجة التحديين الأكثر إلحاحاً
إن ما يحتاجه العراق لضمان نجاحه على طريق الأمن والحكم الذاتي هو معالجة التحديين الأكثر إلحاحاً:
عدم اليقين الاقتصادي والفساد. ولا يزال العراق يعتمد على اقتصاد ريعي، يعتمد بشكل كامل على عائدات النفط، التي لا تكفي لدعم التكاليف التشغيلية الحكومية أو ترك أموال إضافية للاستثمار في بناء اقتصاد قوي.
إن السبيل الوحيد أمام العراق للخروج من المستنقع الاقتصادي الحالي هو الاقتصاد المتنوع الذي يشجع الاستثمار والقطاع الخاص.
يجب على الحكومة العراقية أن تبتعد عن الفلسفة والممارسة القديمة المتمثلة في الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة إلى اتجاه جديد حيث يتمثل دورها في خلق بيئة صحية يمكن أن تزدهر فيها الشركات الخاصة. وفي المقابل، تعتبر الحكومة العراقية جهة تنظيمية في معظم القطاعات التي لم يكن أداء الحكومات فيها تقليدياً كافياً.
ويجب إيلاء نفس الاهتمام للتهديد الخبيث المتمثل في الفساد.
بعد عقدين من التغيير السياسي، تعايشت النخب السياسية العراقية مع ثقافة الفساد الراسخة، وقد ساهم في ذلك العديد من المسؤولين رفيعي المستوى. لقد حرم الفساد المالي والسياسي والإداري الممنهج الشعب العراقي من فرصة بناء دولة فاعلة وشفاء مجتمع عانى من صدمة خمسة عقود من الحروب والعقوبات الاقتصادية الدولية والإرهاب.
ولا تزال الجهود المبذولة لمكافحة الفساد محدودة النطاق ولا تستهدف سوى مرتكبي الجرائم غير المهمين. ولتأمين هزيمة دائمة لتنظيم داعش ومنع عودته، أو ظهور تهديد مماثل، من المهم القضاء على الظروف التي ساعدت مثل هذه المجموعة على الازدهار في البداية. كانت ثقافة الفساد السائدة وضعف الاقتصاد من بين الظروف الرئيسية التي ساهمت في صعود تنظيم داعش في العراق. والآن حان الوقت لمعالجة تلك الظروف.
الدكتور عباس كاظم هو مدير مبادرة العراق التابعة للمجلس الأطلسي.
-
|