×

  رؤا

ملف ..القضاء بين الاستقلالية وسوء السلوك

08/06/2023

 هذا الملف

يعتبر استقلال القضاء إحدى الركائز الأساسية للإدارة الفعالة للعدالة،فعدم تدخل السلطة التنفيذية يكفل تمتع المعتقلين بالضمانات القانونية الأساسية المنصوص عليها للجميع.

وغياب التدخل والضغوطات من أي نوع كانت يضمن نزاهة عمل المحاكم والقضاة بما يتوافق مع القانون، ويتيح للمواطن الشعور بالطمأنينة من عدم وقوعه ضحية لسوء المعاملة.  لذلك، وإدراكاً منها لأهمية الأمر، اعتمدت الأمم المتحدة، في العام 1985 المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.

ويشكل النظام القضائي المستقل ضمانة أساسية لحماية حقوق الإنسان، حيث يحميه من ممارسات الحكومة غير المشروعة، ويضمن تقديم الجناة أمام القضاء لمحاكمتهم بالعدل وحصول الضحايا على سبل الانتصاف القانونية الفعالة.

تتعدد الأسباب التي تؤثر سلباً على استقلال القضاء في بعض البلدان فتتراوح من الاستخدام المفرط لذريعة "أمن الدولة" الاستثنائية ، وانتشار المحاكم المؤلفة من قضاة تعينهم حزب متفرد في السلطة التنفيذية.

ومع بعض الحالات التي شهدها اقليم كردستان من استخدام المؤسسات القضائية لاغراض حزبية بحتة حيث اصبحت استقلاليتها محل شك وتساؤل ،نضع بعض الحقائق امام القارئ الكريم عن اهمية استقلالية القضاء وضمان نزاهة القضاء والسلوك القضائي  ونذكر بالدور التاريخي للرئيس مام جلال الذي ساهم في ترسيخ استقلالية القضاء في الدستور العراقي الجديد بينما هناك اخرون يريدون العبث بهذه الاستقلالية لاغراض حزبيةو نزعات شخصية وتفردية وسلطوية .

رئيس التحرير

 

 

 

 

 

استقلالية القضاء العراقي

*زهير كاظم عبود

للرئيس الراحل مام جلال دور ريادي ومهم في ترسيخ أسس الأستقلالية في الدستور العراقي

 

استقلال القضاء تفرضه الضرورة  والحاجة الماسة قبل ان تلزمه النصوص الدستورية

 

عملية إلغاء قرارات المحاكم بقرارات تشريعية يعد تدخلا وأضعافا لدور القضاء 

 

تثبيت دعائم الاستقلالية للقضاء العراقي فعلا وبشكل عملي يدفع بالعملية السياسية إلى خطوات ثابتة وراسخة

 

من بين أهم ركائز دولة القانون اعتماد نظرية فصل السلطات، وأهم أعمدتها الأساسية استقلالية القضاء 

 

*المرصد

نص الدستور العراقي في الجملة ( ب ) من الفقرة ( أولا ) من المادة الثانية منه على ذلك ،   كما اعتمد الدستور على نظرية فصل السلطات باعتبارها من النظريات التي تحقق من خلال هذا الفصل  الرقابة الموضوعية والشكلية في تشريع القوانين ونفاذها وتطبيقها ،  كما يحقق هذا الفصل أيضا  رقابة متبادلة ومهمات محددة ، إذ تختص السلطة التشريعية بسن ووضع القوانين ، وتقوم السلطة القضائية  بتطبيق تلك القوانين بأمانة وحياد وتفصل في المنازعات والخصومات المعروضة أمامها بالإضافة الى رقابتها على عدم خرق الدستور والقوانين كضمان من ضمانات مبدأ الشرعية ، وتقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ الأحكام الصادرة  ، ولأن القضاء العراقي معنيا بقانونية التشريعات ومدى انسجامها مع النصوص الدستورية فانه أيضا الجهة التي يحتكم اليها المواطن العراقي في سبيل تطبيق هذه الثوابت والمبادئ   . 

وثوابت العمل الديمقراطي التي يحرص القضاء العراقي على تطبيقها باعتبارها نصا دستوريا تظهر واضحة وجلية في نصوص الدستور ، ويتم انعكاسها عمليا على الحياة في العراق ، فتداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية من بين ثوابت الحياة السياسية واسلوب الحكم في العراق ، بالإضافة الى ان السيادة للشعب مصدر السلطات والذي يمنحها الشرعية ويمارس حقه في الاختيار بالاقتراع السري العام والمباشر وعبر المؤسسات الدستورية ، بالإضافة الى حظر الكيانات التي تنهج نهجا طائفيا او عنصريا او ارهابيا او تكفيريا ..

المساواة امام القانون بين جميع ابناء العراق مفصل مهم يتعارض مع التمييز القومي والديني والعرقي والمذهبي وبالتالي ينسجم مع المسار الديمقراطي ، ومن يطالع النصوص الدستورية يجد ان كل نص يحث على التمسك بالحقوق واحترامها ، ويدعو الى المساواة يصب في نهر الديمقراطية الذي لا يمكن ان يتم تحقيق الاستقلالية في العمل القضاء دون وجود هذا المسار.   

فقد شكلت نظرية فصل السلطات الدستورية  قاعدة عملية لتنظيم عمل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ،  وعدم تجاوز حدودها في الإطار العملي المرسوم لها ، كما شكلت الإطار العملي الذي يمهد للنظام الدستوري الديمقراطي البديل عن الأنظمة الدكتاتورية التي تحصر السلطة عادة بيد سلطة واحدة، ومع إن هذه الاستقلالية لا تعني الانسلاخ عن منظومة العمل الدستوري ،  إلا أنها تعني عدم تعدي أو تجاوز  أي منها على عمل ومهام  الأخرى ، وهذه النظرية تعطي الاستقلالية والحرية  للسلطة القضائية بما يتيح لها ممارسة دورها المهم في بناء دولة القانون  وترسيخ مبادئ العدالة ،  كما يعطي للسلطة القضائية  القدرة على الحركة وحرية الأداء  والتطور  ضمن دائرتها ،  بالإضافة الى عدم تأثرها بالمواقف السياسية للسلطة التنفيذية ، ودون أن تتقيد بمراقبة كلا السلطتين أو تدخل أي منها  في عملها أو في قراراتها ، وبهذا تضمن ليس فقط قدرتها في التطبيقات القانونية السليمة للقوانين ، وليس فقط حسم القضايا وتطبيق معايير العدالة والقانون  بحيادية وعدالة ، وإنما تمكين المواطن من مقاضاة أي مركز من مراكز السلطتين التشريعية أو التنفيذية أمام القضاء في حال شعوره بخرق الدستور أو العمل بما يخالف النصوص القانونية ،  مما يدفعها للتطور والإبداع في عملية البحث والاستنتاج ،  وإيجاد القواعد القانونية المتناسبة مع الظروف ،  ولهذا يعد  استقلال القضاء من المقومات الأساسية التي تساهم في تثبيت دعائم العدالة والقانون ، وفي رفع مستوى الأمن وتجسيد مفهوم الاستقلالية  كسند يحمي ثوابت الديمقراطية ويساندها ،  ولايمكن بأي حال من الأحوال الاطمئنان الى قضية الحقوق إلا بوجود قضاء مستقل.

استقلالية القضاء  تعني أيضا التزام القضاء العراقي بالحيادية وعدم الانحياز لأية جهة كانت ، وعدم إخضاع مجلس القضاء الأعلى  أو قراراته ليس فقط للسلطة التنفيذية وإنما حتى للمصالح الخاصة والسياسية منها  ، وبالتالي عدم تمكين تلك المصالح من النفاذ داخل جسد القضاء ، وتمكنها من أحداث  شروخ  تحرف القضاء  عن  مسار الاستقلالية والحياد التي يتطلبها الواقع العراقي الجديد ومتطلبات العدالة والقانون ، وفي سبيل ان تكون هناك جهة دستورية تحمي المشروع الديمقراطي لبناء كيان الدولة وحماية حقوق الانسان نقول لابد من قضاء مستقل بشكل حقيقي لا شكلي وعملي لا أعلامي .

إن العمل على تجسيد نصوص الدستور التي تؤكد  على  استقلال القضاء أمرا ضروريا  لابد من تكاتف الجهود لإنجاحه ، حيث إن  استقلال القضاء تفرضه الضرورة  والحاجة الماسة قبل ان تلزمه النصوص الدستورية ، ومن اجل أن يتم تثبيت معالم دولة القانون التي طالما افتقدها أهل العراق زمنا طويلا في ظل حكومات الانقلابات المتعاقبة ، ولم يتم الشعور  بها في ظل الحكومات التي أعقبت النظام الملكي . بالإضافة الى أنه يشكل الضمانة الحقيقية في قضايا المتخاصمين مهما كانت مراكزهم القانونية . وهذا الأمر يدفع بالضرورة الى أن تهتم السلطة التشريعية والتنفيذية بوضع القضاء العراقي وتساهم في تحسين صورته وتمكينه من تطوير أداءه ، بالإضافة الى دعم القضاء ماليا ومعنويا ، والإسراع في عملية الإصلاح القضائي والقانوني في العراق . 

ليس المهم أن يتمكن القضاء العراقي من أداء دوره المرسوم دستوريا ووفقا لقانون التنظيم القضائي بشكل آلي وروتيني ، وليس مهما إن يكون للعراق قضاء يسد الفراغ  وقضاة يملئون أبنية المحاكم ويسدون شواغرها  ، إنما المهم في أن يكون هذا القضاء مستقلا بالمعنى الحقيقي للاستقلالية ، بعيدا عن الانتماء الحزبي والطائفية والمحاصصة ، وينأى بنفسه عن أن يكون طرفا في النزاعات  السياسية ،  أو أن يكون تابعا أو طرفا لأحدى التجمعات السياسية أو الطائفية ، مما يبعده حتما عن التمكن من أداء دوره الحقيقي ، ويخرجه عن معانيه الحقيقية في الاستقلالية ،  واستقلالية القضاء العراقي تعني  بناء قضاء مستقل قوي ، يعتمد على رموز قضائية تتمتع بالكفاءة والخبرة ، بالإضافة الى حياديتها ونظافة سيرتها ، والاستفادة من التجربة القضائية والسمعة  التي كان القضاء العراقي يتمتع بها قبل حلول الدكتاتورية ومساهمتها في المساس بسمعة ومسيرة القضاء العراقي حيث كانت صفحة القضاء العراقي وبشكل نسبي نظيفة وجديرة بالتقدير ، واستقلالية القضاء العراقي تعني قدرة هذا القضاء على التمسك بالحيادية واكتساب ثقة المواطن في عدالته .

وليس اعتباطا أن تنص جميع الدساتير التي حلت في العراق منذ بواكير تأسيس الدولة العراقية مرورا بالدساتير المؤقتة لجمهوريات الانقلابات العسكرية وحتى الدستور الدائم الأخير ، على استقلالية القضاء العراقي ، وبالرغم انه في فترات متعاقبة لم يكن أي تجسيد حقيقي لهذه النصوص وللاستقلالية بمعناها الدقيق ، مما أثر على دور القضاء العراقي وساهم في تراجعه والإساءة إليه .

فقد أكد القانون الأساس العراقي الصادر في العام 1925 ، في المادة الحادية والسبعون أن المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها ، ويشير النص المذكور الى استقلالية السلطة القضائية التي وضعها المشرع في الباب الخامس من الدستور تأكيدا على تلك الاستقلالية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ويمكن أن تكون الفترة التي عاشها القضاء العراقي في ظل النظام الملكي بالرغم من بعض السلبيات  ، والتدخلات التي شابتها  والهنات التي وقع بها بعض الحكام  ( القضاة ) ، إلا أنها وفق وجهة نظرنا المتواضعة  أحسن وأكثر اقتدارا  بكثير من فترات الحكومات الجمهورية التي أعقبته  من ناحية خرق استقلالية القضاء ، أو التدخل في شأنه وقراراته ، أو محاولة وضعه تحت عباءة السلطة التنفيذية ،  أوعدم تمكين  القضاء من  تكوين رموز قضائية كبيرة رسمت لها صفحات ناصعة في تاريخ المؤسسة القضائية  .

وبعد صدور الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الصادر في 27 تموز 1958 ، أكدت المادة 23 منه أن القضاة مستقلون لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز لأية سلطة أو فرد التدخل في استقلال القضاء أو في شؤون العدالة .

وكما أورد الدستور المؤقت لعام 1964 نصا ضمن المادة 85 يؤكد على استقلالية الحكام والقضاة .

وسار الدستور المؤقت لعام 1968 على نفس النهج في المادة 76 أيضا ، وجاء في قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية نص المادة 43 الذي أكد على استقلالية القضاء من السلطة التنفيذية ووزارة العدل بأي شكل من الأشكال ، ونص الدستور العراقي الأخير على استقلالية السلطة القضائية ضمن عدة نصوص ، حيث أكد في النص الأول على إن السلطة القضائية مستقلة ، في حين أورد النص الثاني إن القضاة مستقلون لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز  لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة .

وهذه النصوص الدستورية لا أثر لها ولا قيمة دون أن تجد لها تطبيقا عمليا ، بالرغم من إن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل أكد في الباب الرابع منه على الجرائم المخلة بسير العدالة ، وحدد في الفصل الأول منه المساس بسير القضاء العراقي ، حيث جاء في المادة 233 معاقبة كل من يحاول التدخل في عمل القضاء أو التأثير على قناعات القضاة  القانونية بأية طريقة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ، ومع إن هذا النص يعتبر فعل التدخل جنحة ، فأن المحاكم لم تجنح لمسائلة أي مسؤول قام بالتدخل أو عمل على تغيير قناعة القضاة طيلة الفترات السابقة ، بالإضافة الى إن ما يلغي هذا النص ويتجاوز حتى على الاستقلالية التي يريدها الدستور حين يصار الى قبول القضاة وفقا للتنظيمات السياسية الحاكمة في البلد ، أو ضمن التجاذبات الطائفية القائمة ، مما سينتج وبالا مستقبليا على العدالة والقانون في العراق ، حيث إن الالتزام بالحيادية واستقلال مواقف القضاة السياسية شرطا أساسيا يعزز مبدأ استقلالية القضاء العراقي .

ويمكن أن تكون صور التدخل في استقلالية القضاء العراقي غير مباشرة أو مكشوفة من قبل السلطة التنفيذية أو حتى التشريعية ، فعملية إلغاء قرارات المحاكم بقرارات تشريعية يعد تدخلا وأضعافا لدور القضاء  ، وإلغاء الاستقلالية في إصدار الأحكام وفقا لاجتهاده وحياديته  ، حيث إن القوانين العراقية هي المرجع في تكييف العلاقات القانونية عندما يتطلب الأمر تحديد نوع هذه العلاقات ،  كما إن مسار تطبيق القانون سبق وان تم إقراره  ومنصوص عليه في نصوص قانونية أقرتها السلطة التشريعية و لا تقبل الاجتهاد ، إذ لا اجتهاد في مورد النص  ، كما إن التعسف في التدخل بوضع القضاة وتقييدهم أو اتخاذ الإجراءات بحقهم يساهم في إضعاف دور القضاء وتحجيمه ،  ما يؤدي إلى تراكم القضايا وضعف الحسم وتذمر المواطن بعدم الحصول على حقوقه ضمن أقصر الطرق وأضمنها ،  وبالتالي خلق شروخ وحواجز بين القضاء والمواطن  .

في 28 تشرين الثاني من العام 1917 تم تأسيس المحاكم العراقية  في ظل وجود  سلطات الاحتلال البريطاني ، وأصدرت قوات الاحتلال مجموعة من القوانين سمتها ( القانون العراقي ) ، بدأت في تطبيقها على مدينة البصرة والناصرية والعمارة ،  وخارج نطاق هذه المدن يتم تطبيق القانون العشائري ( نظام منازعات العشائر )  ،  وحلت المحاكم العراقية بديلا عن المحاكم التي تعتمدها السلطات العثمانية ،  واشترك قضاة انكليز مع العراقيين في تأسيس تلك المحاكم ومباشرة أعمالها  حيث تم اعتماد اللغة العربية في الأحكام والقرارات ، وصدر في العام 1929 قانون الحكام والقضاة ، وتم إصدار قانون أصول المحاكمات الجزائية البغدادي في تشرين الثاني من العام 1918 من قبل القائد العام لقوات الاحتلال البريطاني   والذي أصبح نافذ المفعول بتاريخ الأول من كانون الأول 1919 .  كما تم إصدار قانون العقوبات البغدادي من قبل نفس قيادة الاحتلال بتاريخ 21 تشرين الثاني 1918 والذي أصبح نافذ المفعول بتاريخ  الأول  من كانون الثاني 1919 ، حيث تم تطبيقه على ولاية بغداد أولا ثم امتد تطبيقه إلى الأجزاء الأخرى من العراق بعد ذلك ، وصدرت تباعا القوانين الأخرى التي تنظم عمل المحاكم ومنها قانون المرافعات المدنية والتجارية ،  ونص قانون المرافعات المدنية والتجارية الذي تم تعديله إلى قانون المرافعات المدنية بعد حين  على عمل القضاة وأنواع القضاء وطرق الطعن  ، ومن ثم صدر قانون التنظيم القضائي الذي اختص بعمل القضاة ، وأستند القانون في استقلالية العمل القضائي على تلك النصوص الدستورية التي وردت ، والتي لم تنسجم مع طبيعة السلطات التي حكمت  العراق بتلك الفترات ، حيث أن ولاية القضاء العراقي تسري حتى على قرارات الحكومة ، إلا إن الذي صار في تطبيق ما يخالف المبدأ المذكور ، فتصير المحاكم خاضعة لقرارات الحكومة تحت شتى المزاعم التي قيلت ومنها المرحلة الانتقالية والثورية وما إلى غيرها من الركائز التي تعكزت عليها السلطات ، وصار القضاة ومجلسهم تابعين إلى وزير العدل  يلتزمون بأوامره وتعليماته ويتأثرون بقراراته ، كما بدت تدخلات السلطة السياسية واضحة من خلال تهميش القضاء ومنعه من الفصل في العديد من القضايا ، وإلغاء العديد من الأحكام والقرارات .

مرت  المؤسسة القضائية تبعا للمتغيرات السياسية بظروف تمسكت باستقلاليتها وحيادها ، غير أن تلك الظروف أثبتت توجه تلك السلطات لخرق هذه الاستقلالية وعدم الالتزام بنظرية فصل السلطات التي كررتها في دساتيرها المؤقتة ، حتى أن السلطة البائدة حولت القضاء الى وظيفة ، وقيدت سلطته ، وحجمت دوره وشلت متابعته واجتهاداته حرصا منها على سيطرة أنظمتها على الحقوق والحريات  والتطبيقات الدستورية دون تقييد أو منع . 

أن عدالة النظام القضائي تتلازم مع استقلالية هذا النظام ، وكل هذه العدالة مرتبطة بشكل أو بآخر بعدالة القضاة واستيعابهم لدورهم  وتطابق أحكامهم مع القوانين والعدالة ، والمتابعة والبحث والتقصي  من خلال تفسير وتحليل  النصوص القانونية وفق روحها  ، وتحقيق العدالة من خلال البحث والتدقيق في مجالات تطوير القواعد القانونية والفقهية بما ينسجم مع واقع العصر وحياة الناس في الزمن الحاضر ، ومحاولة استنباط النصوص القانونية وتطوير العمل القضائي ،  وتأكيد استقلالية القرار القضائي والسعي لتأصيل الاستقلالية حتى يمكن أن تصير ثابتة مع ما يصاحبها من عملية إصلاح النظام القضائي العراقي الذي انتابه الخلل الأكيد طيلة فترة سيادة الدكتاتورية والطغيان في العراق ، وأمام التردي والشرخ الذي أحدثته هذه الأنظمة البائدة ، صار لزاما إن نعيد الثقة بالقضاء لدى المواطن العراقي ، وصار لزاما إن تأخذ السلطة التشريعية دورها في عملية الإصلاح ، من خلال  التدقيق في عملية اختيار القضاة أو الاستفادة من الطاقات والكفاءات القضائية والقانونية المقتدرة ، بعيدا عن التقسيمات والمحاصصة والطائفية ، مع استعادة لمسيرة القضاء العراقي قبل إن يختل ويتم تهميشه في زمن الدكتاتورية والاستفادة من تلك الفترة وما خطته من صفحات ومواقف يعتز بها القضاء .

إن تثبيت دعائم الاستقلالية للقضاء العراقي فعلا وبشكل عملي يدفع بالعملية السياسية إلى خطوات ثابتة وراسخة ، وعند اطمئنان المواطن إلى وجود جهة مستقلة وتتمتع بالحيادية يرسخ اعتقاده من  أن حقوقه لن تضيع ، مع ما يمكن معها إن تخضع جميع الأطراف إلى قرارات القضاء ، وبالتالي لا يوجد احد شخصا كان أو حزبا أو هيئة أو تجمعا فوق القانون ، بالإضافة إلى عدم اعتماد القضاء الاستثنائي أو منح الموظفين الإداريين صلاحيات قضائية حتى يمكن حصر مركز الأحكام والقرارات التي تخص الحقوق بالقضاء العراقي ، وتعميق منهج حقوق الإنسان في عمل المؤسسة القضائية المدنية منها أو الجنائية  ، علما بأن القضاء الاستثنائي بأشكاله وصوره التي حلت علينا في العراق من المجالس العرفية والمحاكم الثورية والخاصة  ومحاكم امن الدولة جميعها مخالفة صريحة لمبدأ استقلالية القضاء ومخالفة للدساتير التي كانت سائدة في تلك الفترات .

مسألة استقلالية القضاء عنصر رئيسي من العناصر الرئيسية في مكونات النظام السياسي ، ومسألة استقلالية القاضي لا يعني بأي شكل من الأشكال  أن تكون قراراته باتة ودون تدقيق  ويتصرف كما يشاء، الاستقلالية تعني في الالتزام بإجراءات التقاضي وإصدار الأحكام  وفقاً للقانون.  وتحقيق أقصى ما يستطيع لتحقيق العدالة والحق ،  وعلى هذا الأساس وحتى يتم تبلور مفهوم استقلالية القضاء العراقي على السلطتين إن تترجم هذه الاستقلالية من خلال كف يدها من التدخل في الشأن القضائي أو العمل على إدخال عناصر منسجمة أو ملتزمة  مع أحزابها أو تنظيماتها السياسية أو تجمعاتها الطائفية إلى الجسد القضائي ، بغض النظر عن كفاءتها أو خبرتها مما سيحدث أثرا سلبيا مستقبلا على وضع القضاء العراقي ، ويشكل حجر عثرة في طريق الاستقلالية .

ويأتي تشكيل المحكمة الاتحادية في العراق خطوة أكيدة على سبيل ترسيخ مبدأ الاستقلالية ، وحرص من المشرع على أن تكون جميع الخطوات والقرارات التي تخطوها السلطتين التشريعية والتنفيذية تحت التدقيق القانوني ومن قبل جهة مستقلة ، حيث إن القانون رسم طرق الطعن في قرارات المحاكم العراقية ، وبذلك تعود مرجعية التدقيق والبت في هذه القرارات من قبل القضاء العراقي الذي له الولاية العامة بما في ذلك المحكمة الدستورية .

ومع إن الظرف الراهن خلق مؤسسات مستقلة لها صلاحية اتخاذ القرارات والأحكام دون أن يكون للقضاء العراقي صلاحية تدقيق قراراتها أو نقضها ، مما يمكن أن يتم اعتباره أضعافا لدور القضاء وشرخا في العمل القضائي والقانوني ، فأن هذه الجهات مع ما منحها الدستور من وظائف وصلاحيات لاتجد لها مبررا أو غطاءا أمام استقرار الوضع أو انسجام العمل السياسي مع مبدا فصل السلطات واستقلالية العمل القضائي .

أن مبدأ استقلالية القضاء المعزز بمقتضى الدستور  يشكل قاعدة متينة ترتكز عليها دولة القانون ، الدولة التي طالما افتقدها العراقي ردحا طويلا من الزمن ، إذ طالما خرقت السلطات تلك الاستقلالية وتجاوزت عليها ، ، ولذا كان مبدأ الاستقلالية مجرد كلمات منصوص عليها في الدساتير المؤقتة دون أي تطبيق ، وكانت تلك السلطات تعتبر المؤسسة القضائية خصما عليها إخضاعه أو استمالته ، ولذا لم يكن مبدأ الاستقلالية  محترما على الدوام بأي شكل من الأشكال ،  ويمكن إن تشكل المحاكم الاستثنائية وسلب اختصاصات المؤسسة القضائية وتعطيل أحكام  محاكم الجنايات والبداءة ، ومنح الموظفين المدنيين صلاحيات القضاء ، وغيرها من الأمور التي تتجاوز على استقلالية السلطة القضائية ، حتى وصل الأمر بالدكتاتور البائد إن يعتبر القضاء وظيفة عادية ضمن هيكل المؤسسة .

وكان للراحل جلال طالباني دورا رياديا ومهما في ترسيخ أسس الأستقلالية في الدستور ، ليس فقط لكونه من الأسرة القانونية ، انما جسد بالفعل معنى الأستقلالية ضمن المباديء العامة التي يؤمن بها ، ولهذا فأن تلك النصوص بالأضافة الى المحكمة الأتحادية العليا شكلت معلما جديدا في البناء القضائي ضمن الدستور العراقي الجديد .

إن الحرص على تجسيد تلك النصوص إلى واقع عملي يؤكد  لدينا ضمان فعالية أكيدة لمبدأ الاستقلالية ، وتأكيدا على ترسيخ ثوابت الديمقراطية في بلد تنمو فيه قيم الديمقراطية  مثل نمو الطفل الوليد في تجربة دستورية تعتمد قبل كل الاعتمادات الأنسان وحقوقه .

ولتأكيد تلك الاستقلالية  ينبغي تجسيد تلك المبادئ ، وأيضا من خلال إعداد القضاة أعدادا منهجيا ينسجم مع ثقافة حقوق الإنسان التي يؤكدها العراق الجديد ، ومن خلال عملية أصلاح القضاء العراقي الموجود ، ومن خلال إصلاح النظام القضائي العراقي بما ينسجم مع الدستور والتطلعات التطبيقية لمنهج الديمقراطية والنظام الاتحادي الفيدرالي الذي يسعى اليها العراق ، والتركيز على مبدأ فصل السلطات في التطبيقات العملية والسعي لنشر الثقافة القانونية بين المجتمع ، من خلال منظمات المجتمع المدني ودور الأحزاب الوطنية في الشارع العراقي وحصانة القضاة وحمايتهم وتحصينهم ، وان تسعى السلطة التشريعية إن لاتتناقض مع أحكام وقرارات السلطة القضائية ، والالتزام بالنصوص القانونية التي توحد العراقيين وتنصف المرأة وتحافظ على كيان الأسرة والطفولة وعدم تشتيتها بما يضعف المجتمع ويضر بأوضاعه ، ووضع المؤسسة الأمنية التي تختص بوظيفة التحقيق تحت أمرة القضاء أو ربط ترقيات أفرادها أو عناصرها بالقضاء العراقي .

ويتحدد استقلال القضاء في سيادة القانون واحترام الدستور ، وفي قدرة المؤسسة القضائية أن تأخذ دورها الحقيقي والفاعل في الساحة ، وكذلك تمكين المواطن من اللجوء الى القضاء بأسهل الطرق .

وإذا كان استقلال القضاء العراقي يؤدي إلى فاعليته وإسهامه في استقرار الوضع السياسي في العراق ، يستوجب الأمر إن تلتزم كلا السلطتين بهذه الاستقلالية التي أكدها الدستور وتتطلبها ظروف الحياة العراقية ، وأن تحرص السلطة التنفيذية على تعميق هذا الدور إيمانا منها بالمهمة الصعبة المنوطة بالقضاء العراقي ، حيث إن الأنظمة الديمقراطية تحرص على تلك الاستقلالية ، بينما لاتلتزم بها الأنظمة الشمولية والمتخلفة حتى وان وضعتها كنصوص في دساتيرها ، وتفعيل قانون التنظيم القضائي بما ينسجم مع أهمية المرحلة التي يجتازها  العراق وهو يؤسس لبناته الأولى على طريق الديمقراطية والالتزام بالنظام الفيدرالي . كما يتطلب الأمر من الأقاليم العراقية المنضوية تحت راية العراق الاتحادي  الاهتمام بعملية أعداد القضاة لتأسيس لبنة من لبنات القضاء العراقي المتسلح بثقافة حقوق الإنسان .

وعليه فأن من بين أهم ركائز دولة القانون اعتماد نظرية فصل السلطات ، وأهم أعمدتها الأساسية استقلالية القضاء العراقي الذي يعد  أحد ثوابت السياسة الديمقراطية في العراق .

*قاض متقاعد من مجلس القضاء العراقي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مبادئ أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية

الامم المتحدة UN.org

حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة أمور، تصميمها على تهيئة ظروف يمكن في ظلها أن تسود العدالة وعلى تحقيق التعاون الدولي في ميدان تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون أي تمييز،

وحيث أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص خصوصا على مبادئ المساواة أمام القانون وافتراض البراءة، والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة مستقلة ونزيهة مشكلة وفقا للقانون،

وحيث أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يضمنان كلاهما ممارسة هذه الحقوق بالإضافة إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يضمن كذلك الحق في المحاكمة دون تأخير بغير موجب،

وحيث أنه لا تزال توجد في حالات كثيرة فجوة بين الرؤية التي تقوم عليها تلك المبادئ وبين الحالة الفعلية،

وحيث أنه ينبغي أن يسير تنظيم وإدارة شؤون القضاء في كل بلد على هدى تلك المبادئ، كما ينبغي بذل الجهود لتحويلها كاملة إلى واقع ملموس،

وحيث أن القواعد التي تخضع لها ممارسة الوظائف القضائية ينبغي أن تهدف إلى تمكين القضاة من التصرف وفقا لتلك المبادئ،

وحيث أن القضاة مكلفون باتخاذ القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم،

وحيث أن مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين طلب، في قراره 16، من لجنة منع الجريمة ومكافحتها أن تدرج ضمن أولوياتها وضع مبادئ توجيهية تتعلق باستقلال القضاة واختيار القضاة وأعضاء النيابة، وتدريبهم مهنيا، ومركزهم،

وحيث أن من المناسب، بناء على ذلك، إيلاء الاعتبار أولا لدور القضاة بالنسبة إلى نظام القضاء ولأهمية اختيارهم وتدريبهم وسلوكهم،

فإنه ينبغي للحكومات أن تراعى وتحترم، في إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية، المبادئ الأساسية التالية التي وضعت لمساعدة الدول الأعضاء في مهمتها المتعلقة بضمان استقلال السلطة القضائية وتعزيزه، وأن تعرض هذه المبادئ على القضاة والمحامين وأعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية والجمهور بوجه عام. مع أن هذه المبادئ وضعت بصورة رئيسية لتنطبق على القضاة المحترفين في المقام الأول، فإنها تنطبق بدرجة مساوية، حسب الاقتضاء، على القضاة غير المحترفين حيثما وجدوا.

 

استقلال السلطة القضائية

 

1. تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.

2. تفضل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب.

3. تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون.

4. لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة، أو لا مبرر لها، في الإجراءات القضائية ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر. ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطات المختصة، وفقا للقانون، بتخفيف أو تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية.

5. لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة. ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية، لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية، لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية.

6. يكفل مبدأ استقلال السلطة القضائية لهذه السلطة ويتطلب منها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف.

7. من واجب كل دولة عضو أن توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة.

 

حرية التعبير وتكوين الجمعيات

 

8. وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائما، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء.

9. تكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي، وفى الانضمام إليها.

 

المؤهلات والاختيار والتدريب

 

10. يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوى النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون. ويجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة. على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة. ولا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز، على أنه لا يعتبر من قبيل التمييز أن يشترط في المرشح لوظيفة قضائية أن يكون من رعايا البلد المعنى.

 

شروط الخدمة ومدتها

11. يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظائفهم واستقلالهم، وأمنهم، وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم.

12. يتمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أو منتخبين، بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب، حيثما يكون معمولا بذلك.

13. ينبغي أن يستند نظام ترقية القضاة، حيثما وجد مثل هذا النظام، إلى العوامل الموضوعية ولا سيما الكفاءة والنزاهة والخبرة.

14. يعتبر إسناد القضايا إلى القضاة ضمن إطار المحكمة التي ينتمون إليهما مسألة داخلية تخص الإدارة القضائية.

 

السرية والحصانة المهنيتان

 

15. يكون القضاة ملزمين بالمحافظة على سر المهنة فيما يتعلق بمداولاتهم وبالمعلومات السرية التي يحصلون عليها أثناء أداء واجباتهم الأخرى خلاف الإجراءات العامة، ولا يجوز إجبارهم على الشهادة بشأن هذه المسائل.

16. ينبغي أن يتمتع القضاة بالحصانة الشخصية ضد أي دعاوى مدنية بالتعويض النقدي عما يصدر عنهم أثناء ممارسة مهامهم القضائية من أفعال غير سليمة أو تقصير، وذلك دون إخلال بأي إجراء تأديبي أو بأي حق في الاستئناف أو في الحصول على تعويض من الدولة، وفقا للقانون الوطني.

 

التأديب والإيقاف والعزل

 

17. ينظر في التهمة الموجهة أو الشكوى المرفوعة ضد قاض بصفته القضائية والمهينة وذلك على نحو مستعجل وعادل بموجب إجراءات ملائمة. وللقاضي الحق في الحصول على محاكمة عادلة. ويكون فحص الموضوع في مرحلته الأولى سريا، ما لم يطلب القاضي خلاف ذلك.

18. لا يكون القضاة عرضة للإيقاف أو للعزل إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم.

19. تحدد جميع الإجراءات التأديبية وإجراءات الإيقاف أو العزل وفقا للمعايير المعمول بها للسلوك القضائي.

20. ينبغي أن تكون القرارات الصادرة بشأن الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل قابلة لإعادة النظر من جانب جهة مستقلة. ولا ينطبق ذلك على القرارات التي تصدرها المحكمة العليا أو السلطة التشريعية بشأن قضايا الاتهام الجنائي وما يماثلها.

 

 

 

 

 

 

 

 

*ديفيد ج. ساشار

سوء السلوك القضائي والثقة العامة في سيادة القانون

 

من أمثلة الانتهاكات استخدام الموقف القضائي لتعزيز المصلحة الخاصة

 

القضاة يجب ان يعملوا بشرف،وينبغي تصحيح الأخطاء الأخلاقية

 

عبارات عامة تحث القضاة على الحفاظ على نزاهة الجهاز القضائي وتفادي ظهور الارتجال

 

يؤدي سوء السلوك القضائي إلى تحطيم نسيج ما هو ضروري لجعل الجهاز القضائي قادر على العمل - أي المواطنين الذين يعتقدون أن قضائهم عادل ونزيه.

ولا يمكن أن يوجد القضاء بدون ثقة وطمأنينة من الشعب. ولذلك يجب أن يخضع القضاة للمساءلة عن المعايير القانونية والأخلاقية. وعند مساءلتهم عن سلوكهم، لا بد من مراجعة السلوك القضائي دون أن الاعتداء على استقلال عملية اتخاذ القرارات القضائية. وهذه المهمة يمكن أن تكون شاقة.

يُبنى القضاء على أساس العقيدة العامة أكثر من أي فرع حكومي آخر - فالقضاة لا يقودون الجيوش أو قوات الشرطة، ولا يتمتعون بسلطة المال لتمويل المبادرات ولا يمررون تشريعات وبدلاً من ذلك، فإنهم يصدرون أحكامًا بشأن القانون.

 الأحكام التي يجب أن يؤمن بها الشعب جاءت من مأمورين قضائيين وشرعيين ومستقلين وأكفاء.

ويأتي سوء السلوك القضائي بأشكال عديدة، حيث تعالج المعايير الأخلاقية الإجراءات الإشكالية، والإغفال، والعلاقات التي تستنفد ثقة الجمهور.

وتشمل الشكاوى الشائعة عن سوء السلوك الأخلاقي سلوكا غير لائق؛ وعدم التأهل على النحو الواجب عندما يحدث للقاضي تضارب في المصالح؛ والمشاركة في الاتصالات التي يطلبها طرف واحد وعدم تنفيذ واجباتها القضائية في الوقت المناسب.

كما أن السلوك خارج قاعة المحكمة يمكن أن يكون كذلك.

وينبغي ألا تحاول الرقابة على السلوك القضائي تنظيم الجوانب الشخصية البحتة من حياة القاضي. غير أن القاضي يمكن أن يرتكب سوء سلوك .وبالانخراط في سلوك شخصي يدعو إلى التشكيك في نزاهتهم القضائية.

وهذا صحيح حتى لو كان السلوك نفسه غير حكيم بالنسبة للمواطن العادي.

 وكما يقول المثل، يعظم الرداء السلوك.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك انتهاكات القانون الجنائي، وسوء السلوك الجنسي مع الموظفين، والمحامين، والأطراف، والانضمام إلى المنظمات التمييزية، واستخدام الموقف القضائي لتعزيز المصلحة الخاصة.

وتتضمن العديد من مدونات قواعد السلوك القضائي أيضا عبارات عامة تحث القضاة على الحفاظ على نزاهة الجهاز القضائي وتفادي ظهور الارتجال. فعلى سبيل المثال، تنص ديباجة مدونة قواعد السلوك القضائي في أركنساس على أنه "ينبغي للقضاة أن يحافظوا على كرامة المكتب في جميع الأوقات وأن يتجنبوا الارتجال في حياتهم المهنية والشخصية".

وفي أي مرحلة، يحكم القاضي حتى الآن بعيداً عن السوابق القانونية أو التشريع أو الانتهاك الفاضح للحقوق الأساسية.

ويبدو أن القاضي يتعامل مع الإفلات من العقاب على القانون؟ وبوجه عام، ينبغي أن تترك قرارات القاضي للمراجعة القضائية، وليس للانتقاد من جانب لجنة معنية بالسلوك. مع ذلك، فإن الحوادث التي يُسجن فيها الأشخاص دون مراعاة الأصول القانونية، أو اختراع القضاة لسبل انتصاف غير مناسبة للقضايا أو انهيار سيادة القانون، يمكن أن ترقى إلى مستوى سوء السلوك القضائي. فتنظيم هذا النوع من السلوك دون انتهاك الفصل بين السلطات أو استقلال صنع القرار يصبح كالسير على حافة السكين.

ولا بد من إعادة النظر في تنفيذ طريقة مجدية لحماية الجمهور من سوء السلوك القضائي. وعلاوة على ذلك، يجب أن يجرى هذا عن طريق الحد الأدنى من خطر التدخل غير المشروع من جانب القوات التي تحاول منع إصدار أحكام غير شعبية، وإن كانت صحيحة، بشأن القانون.

وبطبيعة الحال، لا بد من وضع نظام مناسب لحماية حقوق القضاة في الطعن أثناء التهم الأخلاقية. وإذا كان هناك استنتاج بأن القاضي ينتهك معايير الأخلاقيات القضائية، فإن تحديد العقوبة أو الانتصاف سيكون الخطوة التالية.

ويجب أن تتوفر للجنة المعنية بالسلوك غير المجهزة تجهيزا جيدا لسبل الانتصاف المناسبة. ويخدم الانضباط العام الغرض المزدوج المتمثل في تصحيح الحكم المعني، فضلاً عن تثقيف الآخرين في الجهاز القضائي.

وعادة ما تكون للجان المعنية بالسلوك سلطة إصدار تحذيرات أو توبيخ للسلوك غير الأخلاقي.

ويمكن إصدار أمر باتخاذ تدابير علاجية تتطلب، على سبيل المثال، التوجيه أو الرصد أو التعليم الإضافي.

والجزاءات النادرة والجسيمة المتمثلة في التعليق أو الترحيل من المكتب المقصور على أفظع حالات سوء السلوك.

ويتعين على السلطة القضائية أن تدعم التدابير التي تخضع للمساءلة.

في حين أن أغلبية القضاة يعملون بشرف، ينبغي تصحيح الأخطاء الأخلاقية، كما ينبغي الاعتراف بالخروقات الرئيسية للثقة.

 وينبغي أن يكون القضاء على استعداد للمساعدة في وضع المعايير أخلاقية وأن يكون جزءاً نشطاً من أي آلية للإنفاذ.

كمايقول رئيس الولايات المتحدة السابق ثيودور روزفلت: "لا يوجد شخص فوق القانون؛ ولا نطلب إذنا من أي رجل عندما نطلب منه أن يطيعه. وتُطالب اطاعة القانون كحق، وليس كمعروف ". فيجب أن ينظر إلى القضاة الذين يتولون إدارة العدالة في بلداننا على أنه أخلاقي ويخضع لتصويب ذي مغزى عندما يكون ذلك ضروريا. وليس هناك أقل من تكون سيادة القانون على المحك.

*يعمل ديفيد ج. ساشار كمدير تنفيذي للجنة الانضباط والتأديب القضائي في أركنساس بالولايات المتحدة وكعضو في المجلس الاستشاري للمركز الوطني لمحاكم الولايات و اكتسب سابقًا خبرة كمقاضي ومحامي ادعاء في الولايات المتحدة.

*UN.org

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مام جلال.. المدافع الحقيقي عن العمال وحقوقهم ومآثرهم
←  زيارة اردوغان ..مسار جديد ام دوامة التازم؟
←  امريكا و حقوق الانسان في العراق واقليم كردستان
←  فورين افيرز: لا تتركـــوا العــــراق
←  واشنطن بوست:ما على الولايات المتحدة فعله بعد الهجوم الإيراني
←  فورين بوليسي: الرد الإسرائيلي على إيران تحدد شكل الحرب الإقليمية
←  واشنطن تايمز: إرث الإبادة الجماعية لصدام حسين
←  محمد شياع السوداني:​الطريق إلى التعاون المستدام
←  جون ب. ألترمان:خيار الانفراج بالنسبة لإيران
←  ديفيد اغناتيوس:​الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع لا يريدها أحد
←  د. سرحد سها كوبكجوغلو:مشروع طريق التنمية العراقي التركي
←  ايزجي اكين:خمس نقاط رئيسية من الانتخابات المحلية في تركيا
←  القوة بالوكالة: كيف تشكل إيران الشرق الأوسط؟
←  من يخشى الانتخابات ؟
←  الأتراك مستعدون للتغيير فهل سيسمعهم أردوغان؟
←  نتائج الانتخابات.. زلزال سياسي وتحولات ورسالة تحذير
←  عن الانتخابات البلدية في تركيا ومعركة إسطنبول
←  فورين بوليسي:انتخابات تقرر مستقبل تركيا
←  المونيتور : الانتخابات المحلية في تركيا ومصير أردوغان
←  عصر اللاأخلاقية..هل تستطيع أمريكا إنقاذ النظام الليبرالي بوسائل غير ليبرالية؟
←  مشروع طريق التنمية العراقي التركي
←  ثلاث عقود من الريادة ومواكبة المرحلة
←  السابع من ​أكتوبر غير كل شيء، لكن ماذا لو لم يتغير؟
←  اسئلة الوجود العسكري الأمريكي امام الكونغرس
←  تنامي المخاوف من توسع صراع الشرق الأوسط في العراق
←  الانقسامات و تحديات أزمة الثقة العالمية
←  حرب غزة تُغيّر الشرق الأوسط.. وتُشعل شرارة التطرف
←  الحرب الإقليمية التي كان يخشاها الجميع بدأت بالفعل في الشرق الأوسط
←  العالم والمنطقة تحت مجهر المرصد
←  مؤتمر ميونخ للامن والمخاطر المحدقة في النظام العالمي وقواعده
←  زيارة مختلفة لرئيس منتخب الى دولة مختلفة
←  من اسبرطة الشرق الاوسط الى البيت الكرتوني ..
←  العالم والمنطقة تحت مجهر المرصد
←  مام جلال..يكفيك فخرا واعتزازا هذه المآثر
←  انعطافة المؤتمر وحتمية النجاح
←  الاستفتاء .. رفض البدائل الدولية والمجازفة بالمكتسبات
←  قمة العشرين .. أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد
←  اوراق من الغزو الصدامي للكويت
←  ثغرات يجب تفاديها
←  ملف ..القضاء بين الاستقلالية وسوء السلوك
←  حصاد عام صعب عبر (135) عددا من مجلة المرصد
←  عند الحلف بالله و التعهد للشعب
←  سيفر..المعاهدة الدولية الاولى التي تعترف بحقوق الشعب الكردي
←  الاتحاد الوطني وستراتيجية الاصلاح و التجديد
←  جريمة حلبجة شاهد على الجرح الكردي من معاداة لحقوقهم المشروعة
←  قضية كركوك ومراحل ولادة المادة 140
←  المسؤوليات الوطنية تجاه خياري كردستان واسكتلندا