×

  رؤا

اوراق من الغزو الصدامي للكويت

09/09/2023

 

في صباح الثاني من أغسطس (آب) من عام 1990، وقبل أن تكتمل إشراقة شمس ذاك اليوم الصيفي بدولة الكويت، اندلعت شرارة الغزو الصدامي الذي ظل محفوراً في ذاكرة من عاصروه ومع كل ذكرى سنوية لهذا الغزو الغاشم يعود فتح ملفه وإرهاصاته الباقية إلى اليوم؛ إذ شكّل منعطفاً لا يمكن تجاوزه في تاريخ المنطقة ومعطياتها السياسية والجيوستراتيجية .

ولكن مع تعاطف بعض دول المنطقة مع الطاغية صدام وزمنه البائد عبر اعلامها الظل من المهم والضروري تسليط الضوء على بعض من اوراق هذا الغزو الصدامي كشاهد على الحقائق .

 

الشرق الاوسط: الحرب .. ما قبلها، أثناءها، وما بعدها

فيما ياتي نعيد حوار قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات الأمير خالد بن سلطان مع  جريدة "الشرق الأوسط" في عددها الـ 4741 في 21/11/1991اضافة الى مواقف ابرز الدول حول هذا الغزو :

كتبت الحوار: هدى الحسيني:وصل الأمير خالد بن سلطان إلى لندن، من أجل أن يتقلد وساماً من رتبة فارس، من ملكة بريطانيا، قبل أن يتوجه، في الخامس من الشهر المقبل، إلى باريس، ليتسلم وساماً فرنسياً، وبعد ذلك، يستعد للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لإلقاء عدة محاضرات في جامعاتها. كان يتمنى ألاّ يتأخر عن تلبية دعوة كلية الأركان السعودية، التي طلبت منه إلقاء محاضرة فيها.

وفي المناسبة، تجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية، هي الدولة العربية الوحيدة، التي وجهت إلى قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات ، الأمير خالد بن سلطان، الدعوة لإلقاء محاضرة، بينما يستعد للتنقل في أوروبا وأمريكا، من أجل إلقاء ما يقارب خمس عشرة محاضرة.

في لندن، خطرت له فكرة إنشاء مؤسسة إنسانية، يكون مقرها في الرياض، ويتألف مجلس أمنائها من القادة العسكريين، الذين شاركوا في حرب الخليج. وتكون مهمتها الاهتمام، المعنوي والمادي، بعائلات الشهداء، والمعوقين، الذين أصيبوا في معركة تحرير الكويت. وقد تبرع، لتأسيسها بمبلغ مليوني دولار. وسيبدأ الاتصالات من أجل الانطلاق في هذه المؤسسة وإنجاحها. ويأمل أن تنفذ الشروط، التي تسمح بإلغاء المقاطعة للعراق، كي تهتم المؤسسة بعائلات الشهداء العراقيين أيضاً.

وكان اسم الجنرال الأمير، قد برز، قبل حرب تحرير الكويت وأثناءها، إلى جانب أسماء كبار الجنرالات الأجانب.

وفي لندن، عتب الأمير الجنرال على الإعلام العربي، الذي أصرّ، أثناء الاستعدادات لتحرير الكويت وإباء تحريرها، على ذكر اسمه، دون مهامه، "وكأنكم لم تصدقوا أن عربياً مسلماً، يستطيع أن يقوم بهذه المهام".

وسام الشرف برتبة فارس، الذي قلدته الملكة أليزابيث الثانية للأمير خالد، يعد الوسام الأرفع، بالنسبة إلى الأجانب، ونادراً ما يمنح. ومن الحاصلين عليه الجنرال الأمريكي نورمان شوارتزكوف، والرئيس الأمريكي رونالد ريجان.

 

المملكة والكويت ربتا الجيش العراقي، فإذا به يحتل الكويت، ويهدد المملكة

عن الحرب، نبدأ الحديث مع الجنرال خالد بن سلطان، من لحظة تسلمه مهام التنسيق العسكري بين مئات الألوف من الجنود (950 ألفاً)، الذين كانوا ينتمون إلى عدة دول. فيقول إن مجرد التفكير في هذا العدد الضخم، ووجوده في بلد، لم يتعامل حتى في تدريب كتيبة واحدة، ليست تابعة له، يجعل الإنسان يتهيب الموقف.

 إذاً، كيف يكون الأمر عندما تتطلب المهمة أكثر من تجميع القوات في مسرح العمليات، بل تتطلب، كذلك، ألاّ تتعارض تصرفات هذه القوات مع العادات والتقاليد، خاصة أن هذه القوات، أتت إلى بلد هو قِبلة المسلمين، ويضم مقدساتهم؟ "لم يراودني رفض هذه المهمة ولو للحظة واحدة.

فقد أقسمت على القرآن الكريم، أن أؤدي الأمانة، حتى لو استشهدت. وقد كنت مستعداً لذلك. لكن المفاجأة كانت في أن المواجهة هي مع العراق، إذ لم يكن الأمر وارداً، كما قال الملك فهد بن عبد العزيز، أن يكون العدو هو العراق؛ فالمملكة والكويت ربتا الجيش العراقي، حتى اشتد عوده، فإذا به يحتل الكويت، ويهدد المملكة. وأمام هذا الفرق الهائل، بين عدد القوات والعدد المواجه، كان أول قرار اتخذ، أنه في حال قيام العراقيين بهجوم، تنقل القيادة من الرياض إلى رأس مشعاب فوراً، وتلتزم القوات كلها بعدم الانسحاب من رأس مشعاب، حتى آخر جندي".

 **ولكن، هل كانت الحرب ستقوم، لو أن صدام حسين أمر قواته بالدخول إلى منطقة النفط في المملكة؟ وزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني، كان قد قال إنه لو حصل هذا الأمر، لتغير الوضع، ولربما طالت المفاوضات، وتأخـر نشـوب الحرب، أو لأخذت مساراً آخر؟

-خالد بن سلطان، يستبعد هذا الأمر، لأن الحرب كانت ستقوم، كما يقول، وستنتهي بالانتصـار، إنمـا بخسـائر أكثر: "احتلال موقع حساس، لا يعني حسم الأمور لمصلحة المحتل، لأن أمامه كيفية المحافظة عليه". كمـا حصـل في مدينة الخفجي؟ يجيب: كلا. ويضيف الأمير خالد، ،ن من حسن الحظ في معركة الخفجي، أن صدام حسين خطط لها، فبرز "جهله برسم الخطط العسكرية. لقد كانت الخفجي منطقة خالية، ولا أهمية عسكرية لها، كنا نتوقع أن يشن هجوماً عليها، ولهذا، أخليناها من سكانها، من طريق البر ومن طريق إرسال السفن لنقلهم. لكن احتلال أرض سعودية، ليس بالبساطة التي تصورها صدام.

 وقد نفذنا الخطة، وأدركت أنه وقع في مصيدة. لم يكن في استطاعة أحد الخروج أو الدخول. كان المهم، في نظري، توقيت دخول قواتنا، مع أقل الخسائر. لو أطلنا الانتظار، لكانت الخسائر أقلْ. لكن من أجل أن تظل الحالة النفسية عند جنودنا مرتفعة، وبسبب "البروباجندا"، التي طبّل لها صدام حسين، قررت الدخول. انتظرنا، عن قصد، يوماً قبل صد الهجوم. وقد استفدنا كثيراً من هذا اليوم، إذ إنه حرك قواته المحصنة من الكويت في باتجاه الخفجي. وأثناء تحركها، حطمنا ثلاث فرق.

ولم نتأكد من عدد الخسائر، لأنها سقطت داخل الكويت، وأمام حفر الباطن، إذ إنه حرك فرقتين من أمام حفر الباطن، وفرقتين من جنوب مدينة الكويت. 

بعد انتهاء المعركة، أعطينا الأعداد الحقيقية للخسائر، منذ البداية، وكان القرار، أن لا نذكر أي عدد من الخسائر، إذا لم نكن متأكدين تماماً من الرقم. وهذا لم يحصل أبداً في حرب  الشرق الأوسط".

 

حرب المائة ساعة

ورداً على السؤال التالي: إنه في حرب المائة ساعة، كان من المفروض، أن تبدأ الهجوم القوات الخليجية والعربية، لكن حصل تغيير فوري، للحظة، ولم تكونوا أنتم البادئين! يقول الأمير خالد بن سلطان: "هذا ليس صحيحاً، الخطة كانت بالدخول في آن واحد، إنما مع اختلاف في الساعات، بسبب طوبوغرافية الأرض. فأخرنا قوات عن قوات، لكن خططنا الدخول واحتواء الكويت لكل من الخفجي إلى رفحة. ومن المستحيل تغيير خطة عسكرية في آخر لحظة، وهناك 750 ألف جندي".

وفي الكتاب، الذي يعدّه الأمير خالد بن سلطان حول حرب تحرير الكويت، يذكر عدد الخطط العسكرية، التي أعدت، ثم تم تغييرها. لكنه يقول، في حديثه إلى "الشرق الأوسط"، إن كل خطة تبدأ بعشرات التصورات، ترسم على الورق وتمزق: "الخطط والخرائط العسكرية، كانت بيتي وكانت عائلتي". وأتوقف عند ذكر العائلة، فيؤكد الأمير، أنه كان يتصل هاتفياً بعائلته، كل يوم، ليطمئن إليها، وكان يمر، في الأسبوع، ساعة واحدة لرؤية أولاده، فهو مع اهتمامه بتفاصيل الحرب، وتوزيع القوات، كان يسمح لنفسه أن يشتاق إلى الذين يحبونه، وهم أفراد عائلته.

 

دخلنا لنسمع نعم التنفيذ من قبل الطرف العراقي

وتنتهي الحرب، ويذهب الجنرال خالد بن سلطان، والجنرال نورمان شوارتزكوف إلى لقاء قادة عسكريين عراقيين، في خيمة صفوان، فوق الأراضي العراقية. عندما دخل الجميع، أغلقت الخيمة، وسط حراسة مشددة. وظل السؤال عن الذي حصل في داخلها. يجيبني: "التفاصيل وضعتها في كتابي"... ويضيف أنه لا يستطيع أن يزيد على الذي قيل أثناءها: "لم نذهب للمناقشة، توجهنا لنكرر ما قلناه، ولنسمع نعم التنفيذ من قبل الطرف العراقي. ذهبنا لتحديد عدة نقاط، وتنظيم وجود القوات العراقية في المنطقة، التي كنا قد احتويناها، في البصرة وما يحيط بها، ومن أجل تثبيت وقف إطلاق النار، وكي نطّلع من الطرف العراقي على الأشراك الخداعية والألغام المزروعة وخرائطها. وأخذنا كل ما طلبناه. كما أبلغناهم عد الأسرى وكيفية تبادلهم، وما زالت عملية التبادل مستمرة حتى الآن.

 

الذي اعتدى عليّ، هو عربي شقيق ساعدته على محنته

 كلا، عندما دخلنا الخيمة، أنا لم أصافح الوفد العراقي، لم يتبادل أفراد الطرفين المصافحة، إنما في النهاية، وقبل عودتهم إلى العراق، أدوا التحية العسكرية، فرددت بتحية عسكرية".

 وهل كان أمر وضع شروط وقف إطلاق النار مع دولة عربية، سهلاً؟ يقول الأمير السعودي: "نقطة الضعف الوحيدة، التي آلمتني، منذ بداية الحرب حتى نهايتها، أن الذي اعتدى عليّ، هو عربي شقيق ساعدته على محنته، أعرف علاقة صدام حسين بالملك فهد. وأعرف علاقة الملك فهد بشعب العراق ومحبته لهم. أعرف محبتي أنا لشعب العراق".

 وماذا عن صدام حسين؟ هل استمرار بقائه، تم على أساس أن "الشر، الذي تعرفه، أفضل من الخير الذي تتعرف عليه" ويشير الأمير خالد إلى أن الإجابة عن هذا السؤال، ليست من اختصاصه، بل من اختصاص السياسيين. ويذكر بأن مهمة العسكريين، جاءت تنفيذاً لقرار من مجلس الأمن، وكانت تحرير الكويت، وليس إسقاط صدام. ومن ناحية أخرى، إن المبدأ الذي تسير عليه المملكة باستمرار، هو عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وصدام هو رئيس عراقي، إذا أراده الشعب العراقي، فإننا نحترم خيار الشعب. وإذا رفضه، فإن الأمر من مسؤوليته، أمر إسقاطه. "وأنا مع أن يرفضه الشعب العراقي. ويبقى أن أؤكد أنني أتكلم بصفتي الشخصية".

 

صدام حسين خان شعبه

ويستعيد العادات والتقاليد العربية، ويقول كانت مهمتنا أيضاً حماية العراقيين في المناطق، التي شملتها الحرب. أكرمناهم إلى درجة أنهم تألموا عندما انسحبنا. وما آلمنا نحن، هو أن صدام حسين خان شعبه. طموحاته الشخصية دمرت شعبه. أحاول كثيراً أن أحلل الأسباب، التي دفعته إلى غزو الكويت، وتهديد الخليج، فأجد أنه لا يعرف كيف يسير العالم. صدّق الذين جعلهم حوله ويعدون كلامه درراً، فاعتقد أن أعماله حق، لا يمكن للعالم أن يستوعبها، إلى درجة أنه ظن بأن العالم سيسكت عن احتلاله للكويت.

 لقد كان يعتقد أنه كلما ازداد عدد القوات المشتركة، صعب التنسيق، وازدادت الخلافات، وتفرقت الكلمة. وضع نصب عينيه ما جرى في حروب 1948و1956و1967 و 1973، حين اختلفت الدول في ما بينها، على قلة عددها، إذاً، كيف يكون الأمر بمشاركة برية من 24 دولة، ومشاركة شاملة من 37 دولة!".

 

وماذا لو استعمل صدام حسين أسلحته الكيماوية؟

 يجيب الأمير بأن الأسلحة، ما كان في استطاعتها أن تصل بقوة مدمرة. ثم "لأنه جبان، ويخاف على نفسه، ويعرف أنه إذا استعمل هذه الأسلحة، سيكون الرد عليه قاسياً، ويؤدي إلى قتل جماعي، فيفقد هو حياته". ويضيف الأمير أنه لو قامت القوات المشتركة بالهجوم، لكان صدام حسين استعمل الغازات السامة، عبر المدفعية وصواريخ فروج، وليس بالطائرات لأنه تم القضاء على الطيران العراقي، منذ اللحظة الأولى للحرب الجوية.

 وعن نتائج الغارات، التي قامت بها طائرات القوات المشتركة، وما إذا أدت بالقوات العراقية إلى ترك خنادقها، والاستسلام، يوضح الأمير أن التحصينات والخنادق، التي أقامها صدام حسين لجيشه، كانت لغرضين أهمها: "ألاّ تستطيع قواته العبور مستسلمة لنا. وكنا أثناء الحرب النفسية نفكر في كيفية فتح ثغرات، تسمح لهذه القوات بالعبور، لكن تطور الأوضاع، كان أسرع من رسم خطط لاستسلام الجيش العراقي.

 أثناء الحرب، كنا نعرف نقاط ضعفنا ونقاط قوّتنا. لو قمنا، منذ البداية بالهجوم البري، لتكبدنا خسائر كبيرة، فقواته أكثر عدداً من قواتنا. لذا، قمنا بالحرب الجوية، التي استمرت أكثر من خمسة أسابيع. ولو لم تكن القوات جاهزة للتحرك، كانت الخطة تسمح بأن نستمر في الغارات الجوية لمدة شهر وشهرين. وعندما اكتفينا بخمسة أسابيع، واجهنا أزمة كيفية تصريف المحروقات المخزونة لدينا".

 ويتوقف قليلاً، عند الحديث عن الحرب الجوية، التي كان يمكنها أن تؤدي المهام كلها، لو سحب صدام حسين قواته، ضمن المهلة التي حددت له. لكن، عندما رفض وبما إن القوات الجوية لا تستطيع السيطرة على الأرض، تحركت القوات البرية.

 ونسأل الأمير، هل صحيح أن القوات المشتركة، سمحت للحرس الجمهوري العراقي بالانسحاب مع أسلحته من الكويت، بسبب دخول قوات إيرانية إلى جنوبي العراق، وصل عددها إلى 30 ألف جندي إيراني؟ يجيب بأن لا علم له بالدخول الإيراني. والحرس الجمهوري، انسحب عندما طلبت منه القيادة العراقية الانسحاب. وانسحبت القوات من دون أسلحتها. وذلك قبل التفاف القوات المشتركة.

 

وبعد سؤاله ما إذا كانت القوات، الأمريكية والفرنسية والبريطانية، دخلت إلى العراق من دون إعلان ذلك، قبل البدء بتنفيذ الخطة؟ يقول الأمير خالد إنه يفضل ترك التفاصيل، ليشرحها في كتابه.

 

صدام ترك ثلاث فِرق من قواته في مواجهة البحر

ويذكر الفريق الركن خالد بن سلطان بالتمرينات، التي قامت بها القوات البرمائية في عُمان، مما جعـل صدام حسـين، يترك ثلاث فِرق من قواته في مواجهة البحر. "في الوقت نفسه، قمنا بتحريك القوات، التي في أقصى الغرب، مع القوات، التي في أقصى الشرق. وتركنا القوات، التي في الوسط، على حالها. وبعد حوالي 12 ساعة. بدأنا بالهجوم".

 فيما يتعلق بالعراق، يؤكد الأمير خالد بن سلطان، أن المملكة ضد تقسيم العراق. ويصر بين وقت وآخر، على القول إنه يتكلم بصفته الشخصية، كقائد متقاعد، وإنه لا علاقة له بالسياسة ولا بالعسكرية ولا باتخاذ القرارات.

 ونسأله إذا كان على علم بما يعانيه الشعب العراقي، بسبب المقاطعة الاقتصادية، وإذا كان هناك حل آخر، غير إسقاط صدام حسين؟ فيجيب: "أنا لا أعرف حلاً لإنهاء معاناة الشعب العراقي ولا للقضاء على ذلك الطاغية.

المشكلة أنه إذا رفع الحصار، من يضمن أنه لن يجلب الأسلحة؟ أو إذا جلب الغذاء، من يضمن أن يستفيد منه الشعب العراقي كله، وليس المقربين من صدام فقط؟ لكن ماذا نستطيع أمام هذه المعاناة؟ إنها حكمة الله".

 

قوة واجب

عن تحرير مدينة الكويت ودولة الكويت، يقول الأمير خالد بن سلطان: كثيرون تكلموا عن الذين دخلوا الكويت وساهموا في تحريرها، وعن الذين لم يدخلوها. للحقيقة وللتاريخ، واضطلاعاً بأمانة القائد، واستبعاداً للّبس في من حرر مدينة الكويت، أوضح أننا شكلنا ما أسميناه "قوة واجب".  انطلقت إحدى فرقها من جنوب مدينة الكويت، وأخرى من غربها، وشكلت فرقها من قوات مختلطة تمثل كل الدول المشاركة في الحرب، ودخلتاها في وقت واحد. ولهذا يحق للجميع، أن يفتخروا بمشاركتهم في تحرير الكويت.

 

 

 

 

تسلسل الأحداث المهمة

 

2 أغسطس 1990:الغزو العراقي للكويت

 

2 أغسطس 1990: أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 660، بإدانة الغزو العراقي للكويت.

 

3 أغسطس 1990:أصدر مجلس جامعة الدول العربية قرار الرقم 5036، والمؤرخ في 2 أغسطس، بإدانة الغزو العراقي للكويت.

 

3 أغسطس 1990:أصدر المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، المنعقد في القاهرة، بيان بإدانة الغزو العراقي للكويت.

 

4 أغسطس 1990:أصدر مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية، المنعقد في القاهرة، بيانه بإدانة الغزو العراقي للكويت.

 

6 أغسطس 1990:أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 661، بإدانة الغزو العراقي للكويت.

 

7 أغسطس 1990:أصدر المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، المنعقد في جدة، بيان بإدانة الغزو العراقي للكويت.

 

10 أغسطس 1990:أصدر مؤتمر القمة العربية الطارئة، المنعقد في القاهرة، قرار بإدانة الغزو العراقي للكويت.

 

 

 

1. موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وردّ فعلها

مساء الأول من أغسطس 1990، وفور إعلان نبأ الغزو العراقي للكويت، أرسل الأدميرال "بيل أوينز Bill Owenz"، قائد الأسطول السادس الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط، إشارة إلى وزير الدفاع الأمريكي، "ريتشارد تشيني Richard Chiny"، ومفادها: "العراقيون اخترقوا".

وفور وصول الإشارة، دعا الجنرال "كولين باول "، رئيس هيئة الأركان المشتركة، كلاًّ من نائبه، الجنرال "ديفيد جيرميا "، ومساعده، الجنرال "توم كيلي "، إلى الاجتمـاع معه، لتقديـر الموقف. وفـي الوقت عينـه، أبلـغ "بـرينت سكوكروفت Brent Scowcroft"، مستشار الأمن القومي، ليبلغ، بدروه، الرئيس جورج بوش نبأ الغزو العراقي للكويت.

وفي الساعة التاسعة، مساء الأول من أغسطس 1990، (توقيت واشنطن، أي الساعة 0400، يوم 2 أغسطس، توقيت المملكة)، عقد الرئيس جورج بوش، اجتماعاً عاجلاً، في البيت الأبيض، مع عدد من المستشارين، ضمّ كلاًّ من برينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي، و"جون سنونو John Sununu"، رئيس هيئة مستشاري البيت الأبيض، وريتشارد تشيني، وزير الدفاع، والجنرال كولين باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال ديفيد جيرميا، نائب رئيس هيئة الأركان، و"بول ولفوفيتز Paul Wolfowitz"، نائب وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الدولية، و "روبرت كيميت Robert Kimmitt"، مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، لوجود "جيمس بيكر James Baker"، وزير الخارجية في الاتحاد السوفيتي، و"وليم وبستر William Webster"، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ومساعده للعمليات، "ريتشارد كير Richard Kerr"، والمستشار القانوني للبيت الأبيض، "بويدن جراي  Boyden Gray".

وفي الساعة الحادية عشرة وعشرون دقيقة، مساء الأول من أغسطس 1990 (توقيت واشنطن، أي الساعة 0620، يوم 2 أغسطس، توقيت المملكة)، صدر عن مكتب الرئيس جورج بوش، مجموعة من القرارات. أبرزها:

أ. بيـان يدين الغزو العراقي، ويطالب بسرعة الانسحاب، بلا قيد أو شرط، ولا يقبل بديلاً من ذلك (أُنظر وثيقة البيان الأمريكي الصادر عن البيت الأبيض، في الساعة 2300، يوم 1 أغسطس 1990 (بتوقيت واشنطن)، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت.

ب. إرسال قوة من الطيران إلى المملكة العربية السعودية، من الفور (24 طائرة مقاتلة قاذفة من نوع F-15).

ج. تجميد كل الأموال والودائع، الكويتية والعراقية، في كافة المصارف والمؤسسات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية (اُنظر وثيقة الأمر التنفيذي الرقم 12722 الصادر من الرئيس الأمريكي، في 2 أغسطس 1990، في شأن تجميد ممتلكات الحكومة العراقية، وحظر المعاملات التجارية معها

د. تشكيل لجنة طوارئ دائمة، لمتابعة الأزمة، تعمل تحت رئاسة مستشار الأمن القومي، برينت سكوكروفت، تضم كلاًّ من روبرت كيميت، وديفيد جيرميا، وولفوفيتز، وريتشارد كير.

في نهاية الاجتماع، طلب الرئيس بوش من المجتمعين، الحضور، صباح اليوم التالي، لدراسة الخيارات المستقبلية المتاحة، وأن ينضم إليهم الجنرال "نورمان شوارتزكوف "، ومعه وثائق خطة العملية (1002 ـ 90):

 

أ. اجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي (2 أغسطس 1990)

في الساعة الثامنة، من صباح 2 أغسطس 1990، اجتمع الرئيس بوش مع مجلس الأمن القومي الأمريكي، في غرفة الاجتماعات الرسمية، في البيت الأبيض. وحضر الاجتماع "ريتشارد تشيني"، وزير الدفاع، و"جيمس واتكنز "، وزير الطاقة[2]، و"روبرت كيميت"، مساعد وزير الخارجية، والجنرال "كولين باول"، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال "نورمان شوارتزكوف"، قائد القوات المركزية، و"نيكولاس برادي "، وزير الخزانة، و"وليم وبستر"، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، و"ريتشارد دارمان "، مدير الميزانية.

 

    وحدد الرئيس جورج بوش موقفه بثلاث نقاط:

(1) عدم قبول ما حدث. ولا مجال للتفاوض أو قبول حلول وسط.

(2) وجوب تعبئة الرأي العام، الأمريكي والدولي، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

(3) مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية عن "العمل" والتحرك لمواجهة العدوان.

ثم طلب من الحاضرين اقتراح خطط عمل.

 

 وأكد المجتمعون النقاط التالية:

(1) إن احتلال الكويت سيسبب فوضى في أسواق النفط (أسعاراً وإمداداً وتوزيعاً).

(2) لن تسمح واشنطن للعراق بالاستيلاء على ثلثَي إنتاج النفط في الشرق الأوسط، و20% من احتياطي النفط في العالم، يمكن أن تزيد إلى نسبة 40 %، لدى استيلائه على نفط المملكة العربية السعودية.

(3) ضرورة فرض حصار اقتصادي شامل، ضد العراق.

 

    وعرض الجنرال شوارتزكوف، أثناء الاجتماع، خيارَيْن اثنين، هما:

الأول: تنفيذ ضربة جوية قوية. إلاّ أنها، في تقديره، مهْما بلغت من القوة، لن تكون مؤثرة.

الثاني: التدخل العسكري الشامل، على أوسع نطاق، طبقاً لخطة القيادة المركزية الأمريكية الرقم (1002 ـ 90).

وهو الخيار الحقيقي المؤثر، شريطة أن يتهيأ له قاعدة لحشد القوات، لا يمكن أن تكون إلاّ في المملكة العربية السعودية.

    وكان من الواضح، أن الرئيس الأمريكي، قد آثر الاحتمال الثاني.

 

    وبانتهاء الاجتماع، توصل المجتمعون إلى ثلاث نقاط محددة، هي:

(1) الاتصال بالملك فهد، للحصول على موافقته على إنشاء القاعدة الوحيدة الممكنة، وانتشار القوات الأمريكية، لتنفيذ الخطة.

(2) الاسراع، من الفور، إلى إغلاق خطوط أنابيب النفط العراقية، عبْر تركيا، وعبْر المملكة العربية السعودية.

(3) اتخاذ الإجراءات الخاصة، بتحمل العرب المنتجون للنفط، بمقتضاها، نفقات الخطة العسكرية؛ إذ إن ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية، لا تحتمل عجزاً فوق ما تعانيه من عجز، فضلاً عن أن المستفيد من أي عمل، عليه أن يتحمل نفقاته.

ومن الفور، وتنفيذاً للنقطة الأولى، عمد الرئيس جورج بوش إلى الاتصال بالملك فهد، للحصول على موافقته على نزول القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية.

 

وإثر الاتصال، لخص الرئيس بوش ما سمعه من الملك، فقال للمجتمعين:

(1) الملك فهد غاضب إلى أقصى درجة، من الغزو العراقي للكويت.

(2) وهو يطالب بضرورة إجبار صدام حسين، على الخروج من الكويت.

(3) عدم موافقة المملكة على السماح للقوات الأمريكية بالنزول في أراضيها.

وبذلك، أصبحت كل المسائل معلقة على موافقة جلالة الملك فهد.

 

ب. الرئيس بوش يتصل بالملك حسين، في الإسكندرية (2 أغسطس 1990)

أثناء اجتماع الزعيمَين العربيَّين، الرئيس حسني مبارك، والملك حسين، في قصر رأس التين، في الإسكندرية، جاءت مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي، جورج بوش، من طائرته الخاصة، وهو متجه إلى مدينة آسبن، في ولاية كولورادو. وطلب أن يتحدث إلى الملك حسين.

 

 وأكد الرئيس بوش، خلال الاتصال الهاتفي مع الملك حسين، ما يلي:

(1)    إن غزو العراق الكويت، يُعَدّ عملاً من أعمال العدوان. ولا يمكن الولايات المتحدة الأمريكية أن تقبله.

(2)    إن الرئيس صدام حسين، بغزوه للكويت واحتلالها، يتحدى واشنطن.

(3)    إن الغزو العراقي، يُعَدّ تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها. والكونجرس والرأي العام الأمريكي، يطالبان بعمل عسكري يحمي الأمن الوطني الأمريكي.

(4)    إن موقف العالم العربي يدعو إلى الدهشة؛ إذ لم يسمع، حتى الآن، إدانات صريحة للعدوان.

(5)    إن الولايات المتحدة الأمريكية، ستتصرف، وحدها، ولن تنسق مع غيرها من الدول، إذا لم تكن هي مستعدة للتنسيق.

وطلب الملك حسين من الرئيس بوش منحه فرصة لتسوية الأزمة، وحددها بثمانية وأربعون ساعة. وأبلغه أنه سيتوجّه إلى بغداد، لإقناع الرئيس العراقي بالانسحاب من الكويت.

 

ج. لقاء الرئيس بوش ومارجريت تاتشر في آسبن (2 أغسطس 1990)

بعد اجتماع الرئيس بوش إلى أعضاء إدارته، غادر واشنطن، بعد ظهر 2 أغسطس 1990، (توقيت واشنطن)، لمقابلة مارجريت تاتشر، في مدينة آسبن، في ولاية كولورادو. وقبـل أن يصعد طائرته العمودية، قال الرئيس للمراسلين: "إننا لن نناقش التدخل في الكويت. فأنـا لا أفكر في مثل هذا العمل".

وفي منتجع آسبن، التقى الرئيس بوش، رئيسة الوزراء البريطانية، مارجريت تاتشر، حيث عقدا اجتماعاً مطولاً. وفي بدايته، سأل الرئيس بوش ضيفته عن تصوراتها، في خصوص الغزو العراقي للكويت. وكانت الإجابة جاهزة لديها، فلخصتها في نقطتَين هما: عدم مسايرة المعتدي وملاينته، ووقف العدوان، من الفور؛ لأنه إذا قُيِّض لصدام حسين، أن يجتاز الحدود إلى أراضي المملكة العربية السعودية، فإنه سيشق طريقه إلى امتداد ساحل الخليج، في غضون أيام. ومن ثَم، سيسيطر على 65% من احتياطي النفط العالمي، مما سيمكنه من ابتزازنا.

وأخبر الرئيس بوش رئيسة الوزراء البريطانية، أنه تحادث مع الرئيس حسني مبارك والملك حسين. وكانت فحوى المحادثة أن على الولايات المتحدة الأمريكية الإخلاد إلى السكينة، ومنح فرصة لحل عربي. وأنه رد عليهما بالموافقة، شريطة أن يشمل انسحاباً عراقياً، وإعادة الحكومة الشرعية الكويتية. وفي الوقت نفسه، فإنه أوصى بمقاطعة السلع العراقية، ووقف الإقراض، وتجميد الأرصدة، العراقية والكويتية، إضافة إلى إصدار أوامره إلى قطع الأسطول الأمريكي، بالتحرك شمالاً، من المحيط الهندي في اتجاه الخليج.

ثم تركز البحث حول ما ينبغي فعله، في المرحلة القادمة. ووضحت رئيسة الوزراء البريطانية، مارجريت تاتشر، أنه في حال رفض صدام حسين الانسحاب من الكويت، يجب على مجلس الأمن الدولي، فرض حظر تجاري كامل على العراق. ويجب على الجميع الالتزام به، بلا استثناء، لكي يؤتي ثماره، إضافة إلى إغلاق خطوط الأنابيب، داخل أراضي تركيا والمملكة العربية السعودية، في وجه نفط العراق، وهي الأنابيب التي يصدر عبرها معظم نفطه. واستطردت رئيسة الوزراء، قائلة: "هذه القرارات لن تكون سهلة التنفيذ.

ولذا، فإن ثمة سؤالاً حاسماً، لا بدّ من معرفة جوابه، وهو: هل ستكون للدول العربية، وتركيا، قوة الإرادة، لأداء المهمة المطلوبة؟ فالمملكة العربية السعودية خاصة، قد تخشى أن يستغل العراق تصرفاً من هذا القبيل، كذريعة تسوغ له مهاجمة أراضيها. وسيكون في إمكاننا إرسال قوات عسكرية للدفاع عنها، ولكن بناء على طلب محدد من الملك.

 

د. اجتماع الرئيس بوش مع مجلس الأمن القومي، صباح يوم 3 أغسطس 1990.

بعد عودة الرئيس بوش من آسبن، صباح 3 أغسطس 1990، اجتمع، من الفور، في غرفة الاجتماعات الرسمية، في البيت الأبيض، مع مجلس الأمن القومي. وفي بداية الاجتماع، وجّه الرئيس الأمريكي نظر المجلس إلى ضرورة الإجابة عن سؤالين وهمين، هما:

الأول: ما هي مصالحنا؟

الثاني: ما هي الخيارات العسكرية أمامنا؟

 

ثم لَخصَ مستشار الأمن القومي، برينت سكوكروفت الموقف، في عدة نقاط، هي:

(1) يُعدّ الغزو العراقي للكويت، أمراً غير مقبول. ولكن من الصعب أن نفعل الكثير، الآن.

(2) إن هناك أسباب شتى، تجعل من الصعب أن نفعل شيئاً. ولكن هذا واجبنا.

(3) إن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تستطيع أن تتسامح في هذا العدوان.

(4) على الرغم من امتلاك المملكة العربية السعودية أحدث المقاتلات، وجيشاً، قوامه 65 ألف مقاتل، إلاّ أنها لا تستطيع أن تواجه جيش صدام حسين، الذي يمكنه أن يستولي، خلال أيام، على آبار النفط السعودي.

    وأشار بعض الأعضاء إلى أهم التحديات، التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة لذلك، وهي تتلخص في الآتي:

(1) أصبح إمداد الدول الغربية بالنفط، في خطر بَيّن.

(2) أصبحت اقتصاديات بعض دول أوروبا الشرقية، هي الأخرى، في خطر.

(3) أصبح أمن إسرائيل، كذلك، مهدداً.

(4) لدى صدام حسين أسلحة، كيماوية وبيولوجية، في الوقت الحاضر. ويستطيع، خلال سنوات قليلة، أن يمتلك السلاح النووي.

(5) إن بعض القادة في العالم، ينظرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، على أنها القوة العظمى الوحيدة، التي تستطيع أن تتعامل مع هذا الحدث، وتوقف العدوان وتردعه.

(6) أصبحت المصالح، القومية والدولية، بصفة عامة، في خطر شديد.

وأوضح تشيني، أن الهدف هو وضع الخطة الرقم (1002 ـ 90)، موضع التنفيذ. ويمكن تقسيم الخطة إلى ثلاث مراحل هي:

 

المرحلة الأولي:

تستهدف ردع القوات العراقية عن أي تفكير في غزو المملكة العربية السعودية. وهذا الجزء من الخطة، يستغرق شهراً، ويقتضي إرسال فِرقة مدرعة، ومجموعة حاملات طائرات، مزودة بصواريخ "توماهوك كروز"، وعشرة أسراب جوية من المقاتلات والقاذفات (180 ـ 200 طائرة).

 

المرحلة الثانية:

تستطيع تحرير الكويت، كهدف محدود. وهذه المرحلة، تستغرق فترة ما بين 3 ـ 4 شهور. وبها تكون في السعودية قوات، تعدادها مائة ألف جندي، غير الطيران والأسطول.

 

المرحلة الثالثة:

تستطيع ضرب العراق، كهدف مفتوح. وهذه المرحلة، تستغرق ما بين 6 ـ 8 شهور. وبها تكون القوات في المملكة العربية السعودية، قد وصلت إلى 200 ألف جندي، غير الطيران والأسطول. إضافة إلى ما يمكن أن تساهم به في الحرب دول، حليفة وصديقة.

وحدد قائد القوات المركزية الأمريكية، الجنرال شوارتزكوف، طبقاً للخطة، بشيء من التفصيل، حجم القوات الأمريكية، التي ستستخدم في المملكة العربية السعودية، والمتمثلة في 3 فرق، وعدد من الوحدات الأخرى، إضافة إلى أكثر من 500 طائرة قتال، والعديد من مجموعات قتال سفن البحرية وسفن القيادة والنقل، وهي تقدر بنحو 150ألف جندي.

وعَلّق أحد الحاضرين على ما أوضحه الجنرال شوارتزكوف أن تنفيذ الخطة يتوقف على موافقة الملك فهد على وجود قوات أجنبية على أرض المملكة. وأن على الولايات المتحدة الأمريكية بذل أقصى الجهود لإقناعه بضرورة انتشار هذه القوات، دفاعاً عن المملكة، في المقام الأول.

وفي نهاية الاجتماع، طلب الرئيس بوش من تشيني وباول، أن يجتمعا، في اليوم عينه، مع الأمير بندر بن سلطان، ليلخصا له الموقف، ويوضحا الأخطار المحيطة بالمملكة العربية السعودية وإقناعه بأهمية انتشار القوات الأمريكية على أراضيها.

 

 

ردود الفعل العربية

    في الساعة الخامسة من فجر يوم الخميس، الثاني من أغسطس 1990، أيقظ السفير عبدالعزيز السديري، سفير المملكة العربية السعودية لدى الكويت، خادم الحرمَين الشريفَين من نومه، وأخبره بنبأ دخول القوات العراقية الأراضي الكويتية. ومن هول المفاجأة، ظن الملك فهد، أن العراقيين احتلوا الجُزُر الكويتية، وحقول النفط الحدودية المتنازع فيها. ولكن السفير السعودي، أكد له أن القوات العراقية تزحف في اتجاه مدينة الكويت، وأصبحت قريبة منها. وحينئذٍ، طلب الملك فهد من أحد مستشاريه، أن يؤمن اتصالاً مع الرئيس العراقي. وجاءه الجواب، من أحد مستشاري الرئيس العراقي، وهو أحمد حسين خضير، الذي كان موجوداً، آنئذٍ، في مكتب الرئيس العراقي، أن الرئيس غير موجود، وسيبلغه مكالمة جلالة الملك، ويطلب إليه الاتصال مع جلالته، من الفور.

    كان الرئيس العراقي، يراقب آخر التطورات العسكرية، بنفسه، من المقر العام لقيادة القوات المسلحة. ولما طال انتظار الملك فهد، اتصل بالملك حسين، موقظاً إياه من نومه، في الساعة الخامسة والربع. وأبلغه، بانفعال شديد، خبر الغزو العراقي للكويت واجتياحه لأراضيها، حتى باتت القوات العراقية على مقربة من مدينة الكويت. وطلب منه الاتصال بصدام حسين، ودعوته إلى سحب قواته، قبْل أن تتفاقم المشكلة. وقال له الملك فهد: "اِفْهَم من صدام ما هي الحكاية؛ فنحن لا نريد مشاكل". وقد طلب الملك حسين من الملك فهد إعطاءه فرصة، كي يستوضح الأمر، ويتصل بالرئيس العراقي، وقال له: "أنا أعتقد أنها عملية محدودة، ويمكن علاجها. سأتصل بالأخ صدام حسين، وأعود إليك في غضون دقائق.

    وراح الملك حسين يحاول الاتصال بالرئيس العراقي في بغداد، الذي كان لا يزال مجتمعاً مع كبار ضباطه، يتابع، باللاسلكي، تقدُّم القوات العراقية داخل الكويت. وأُبلغ الملك حسين، أن الملك فهداً على الخط، مرة ثانية، وجاءه صوت الملك فهد قائلاً، بانفعال: "لا. إنها ليست عملية محدودة. إنني سمعت، الآن، أنهم داخل قصر جابر".

    وتمكن الملك حسين من إجراء اتصال ببغداد. لكنه لم يوفَّق في الوصول إلى الرئيس العراقي. فقد تلقى المكالمة طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي، قائلاً: "آسف، يا جلالة الملك. فالرئيس صدام ما زال بعيداً من هنا، وقد رأيت أن أتلقى مكالمتكم، سيدي". عندئذٍ، سأله الملك حسين عمّا يجري على الحدود مع الكويت. وفهِم من الحديث أنها ليست عملية محدودة، كما قدَّر، من الوهلة الأولى. وأخبره أن الرئيس، سيشرح له الأمر بنفسه، عندما يتصل به، في ظرف دقائق قليلة.

 

 

 

 

كان رد الملك عنيفاً: "إذاً، لماذا جئتني اليوم؟

    وصباح 2 أغسطس، تلقّى خادم الحرمَين الشريفَين مكالمة من الرئيس العراقي. وطلب الملك فهد من الرئيس العراقي، أن يتدارك الأمر، ويأمر بسحب قواته. ورد الرئيس العراقي قائلاً: "لا تقلق، يا جلالة الملك، سأبعث إليك عزة إبراهيم، ومعه رسالة، فيها كل التفاصيل".

    وصباح اليوم التالي، 3 أغسطس، أقلعت طائرتان عراقيتان، كلٌّ في اتجاه، واحدة تقلّ طه ياسين رمضان، نائب رئيس مجلس الوزراء، إلى صنعاء وعدد من العواصم العربية، لشرح وجهة النظر العراقية. بينما كانت الطائرة الثانية، تحط في جدة، وتقلّ وفداً، برئاسة عزة إبراهيم، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، إلى المملكة العربية السعودية، الذي جاء ليشرح للملك فهد دوافع العراق، وما حصل في لقاء جدة الأخير، مع الشيخ سعد العبدالله، والمشاكل الناجمة عن التعنت الكويتي، في خصوص الحدود والديون وأسعار النفط.

    كان الملك فهد مندهشاً من الطريقة الانفعالية، التي انتهجها عزة إبراهيم في وصفه موقف الكويت؛ إنها تريد خنق العراق. إنها مؤامرة محبوكة. إن هناك خطة لإماتة الشعب العراقي. وسأله الملك فهد، بهدوء، عن كيفية الخروج من هذا المأزق. وكان الرد على غير المتوقع، إذ قال: "بصراحة، سيدي، إن الكويت هي جزء من العراق، وقد عاد الفرع إلى الأصل". وكان رد الملك عنيفاً: "إذاً، لماذا جئتني اليوم؟ وفيمَ كنّا نتحدث، طوال هذا الشهر؟ أنتم اعترفتم باستقلال الكويت، عام 1963، وتعاملتم معها، كدولة مستقلة. وأمس كان أميرها عندكم، يمثّل دولته المستقلة". وانتهى اللقاء عند هذا الحد من النقاش، الذي لم يأتِ بنتيجة.

    وما أن انتهى هذا اللقاء، حتى اتصل الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، سفير المملكة العربية السعودية لدى واشنطن، هاتفياً، بخادم الحرمين الشريفين، من العاصمة الأمريكية، يسأله، بدوره، عن التعليمات الجديدة، التي يمكن أن يناقشها مع الأمريكيين. وقد جاءه الرد، على جناح السرعة، من قِبل الملك: "لا بدّ للجماعة عندك، أن يكونوا حازمين". ورد عليه الأمير بندر قائلاً إنه لم يرَ أحداً من المسؤولين الكبار بعد. ولكنه سمع وشعر، أن الأمريكيين ثائرون. و"إنني قصدت أن أتصل بجلالتك، قبْل أن أقابل أحداً، حتى أكون على بيّنة".

 

احتمالات اجتياز الحدود إلى المملكة العربية السعودي

ثم عاود الأمير بندر الاتصال بالملك فهد، ليقول: "سمعت مصدراً، هنا في البيت البيض، يؤكد أن قوة عراقية مدرعة، تتقدم في اتجاه المنطقة المحايدة". وكان ذلك أول إيحاء من الولايات المتحدة الأمريكية للأمير بندر، أن العراق، قد يجتاز الحدود إلى المملكة العربية السعودية. وقد أبلغ الأمير بندر خادم الحرمَين الشريفَين، أن وزير الدفاع الأمريكي، أكّد له، "أن انتشار القوات الأمريكية في المملكة، هو أمر في منتهى الضرورة. وأن جماعة الكويت، لم يبلّغونا، رسمياً، المساعدة، إلاّ بعد دخول القوات العراقية عاصمتهم. فهل هذا ما تريد المملكة العربية السعودية أن تقتفي أثره؟". وكان رد الملك فهد على الأمير بندر: "انتظر، لنرى كيف ستسير الأمور".

    ومن القاهرة، كان الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، على اتصال مع خادم الحرمَين الشريفَين، بعد انتهاء الجلسة الصباحية لمؤتمر وزراء الخارجية، يسأله عن التعليمات، التي سيتصرف بمقتضاها. ولكن جلالة الملك فهداً، بادر إلى سؤاله عمّا إذا كان للعراق شركاء، مثل إيران، أو منظمة التحرير الفلسطينية، أو الأردن، أو اليمن.

 ولما جاء رد الأمير سعود مطمئناً، من هذه الناحية، عاد الملك فهد ليؤكد له: "عليكم بالتنسيق الكامل مع المصريين والسوريين. وأعلِم الجميع أن الموقف خطير جداً. ويمكن أن تنفتح معه أبواب جهنّم.

 

بيان وزراء الخارجية العرب

    وعقب إعلان بيان وزراء الخارجية العرب، مساء 3 أغسطس، اتصل الملك حسين بخادم الحرمَين الشريفَين، هاتفياً، وأبلغه نتائج مباحثاته مع الرئيس العراقي في بغداد، ثم ما جرى بينه وبين الرئيس حسني مبارك، بعد تلك المباحثات. وعندما قال الملك حسين للملك فهد: "إن الرئيس صدام حسين، وافق على عقد قمة مصغّرة في جدة، يوم الأحد 5 أغسطس"، لم ينتظر الملك فهد حتى يكمل الملك حسين حديثه، بل قاطعه قائلاً: "أي قمة مصغّرة؟ وهل بقي لدينا وقت للقمم؟ وما هي الفائدة؟". وتابع الملك حسين حديثه قائلاً: "إن العراقيين، وافقوا على الانسحاب". وإن الرئيس صدام، قد أبلغه، بعد مغادرته بغداد بساعة، أن مجلس قيادة الثورة، وافق على مبدأ الانسحاب. وإنه قرأ، بعد عودته إلى عمّان، تصريحاً رسمياً، باسم مجلس قيادة الثورة العراقي، يشير، صراحة، إلى نية الانسحاب". وقال له الملك فهد، إنه لم يطلع على مثل هذا البيان، وإنه سيطلبه ليقرأه. وعلى فرض أن هناك مثل هذا البيان، فإنه يخشى أن يكون في الأمر خدعة جديدة.

    صباح 4 أغسطس، اتصل الأمير بندر بن سلطان، بالملك فهد، يستأذنه في الحضور إلى جدة، ليشرح له ما رآه من صور الأقمار الصناعية، عن حشود عراقية، تتحرك في المنطقة المحايدة، بين المملكة والكويت، وعرْض بعض الأمور المهمة، التي سمعها من الرئيس الأمريكي، بوش، والجنرال برينت سكوكروفت، مستشاره للأمن القومي، ومن الجنرال كولين باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة، عن التهديد الذي تواجهه المملكة. وقد وافق الملك فهد على حضور الأمير بندر، نظراً إلى خطر الموقف.

    وبعد أن أكمل الملك فهد مكالمته مع الأمير بندر، اتصل بالملك حسين. وقال له، لدى سماعه صوته: "إنك كنت تحدثني، أمس، عن قبول الإخوان في العراق فكرة عقد مؤتمر قمة مصغّر، وقبولهم مبدأ الانسحاب. وقبْل قليل، أبلغني بندر، من واشنطن، أن الأمريكيين، أطلعوه على صور أقمار صناعية، تكشف وجود قوات عراقية، تتحرك في المنطقة المحايدة، بيننا وبين الكويت، وتقترب من حدود المملكة". وكان رد الملك حسين، أنه وقد رأى صدام حسين وسمع منه، بالأمس، يستبعد مثل هذا الكلام، وأنه سيتصل بالرئيس صدام حسين، ويسأله عن الأمر مباشرة.

 

القطار الأمريكي يتحرك

    وفي 6 أغسطس 1990، بدأ القطار الأمريكي يتحرك، متجهاً إلى منطقة الخليج. فقد هبطت طائرة الرئاسة الرقم (2)، في مطار جدة، ونزل منها وزير الدفاع الأمريكي، "ريتشارد (ديك) تشيني "، يرافقه الجنرال "نورمان شوارتزكوف "، قائد القيادة المركزية الأمريكية، والجنرال "بول ولفوفيتز " ، نائب وزير الدفاع للشؤون الدولية، و"روبرت جيتس Gates"، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في ذلك الوقت، والجنرال "تشارلز هورنر "، قائد القوات الجوية للقيادة المركزية الأمريكية، والجنرال "جون يوساك "، قائد القوات البرية للقيادة المركزية الأمريكية. ويصحبهم خبير بقراءة وتحليل صور الأقمار الصناعية، من الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وبعض كبار المساعدين. وكان في استقبالهم، في المطار، الأمير بندر بن سلطان.

    ومساء اليوم نفسه، كان وزير الدفاع، وأعضاء الوفد الأمريكي، إضافة إلى السفير "تشارلز فريمان "، سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة، يقابلون خادم الحرمَين الشريفَين، ومعه الأمير عبدالله، وليّ العهد، النائب الأول لرئيس الوزراء، والأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، والأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز[4]، نائب وزير الدفاع، وعثمان الحميد، مساعد وزير الدفاع، والفريق الأول الركن محمد صالح الحماد، رئيس هيئة الأركان العامة، والأمير بندر بن سلطان، الذي تولى الترجمة للملك فهد.

    بدأ الملك فهد حديثه باستعراض علاقاته الشخصية بالرئيس الأمريكي، جورج بوش، منذ سنوات طويلة، وبإعجابه بمواقفه ومميزاته. وافتتح تشيني كلامه، بأن الولايات المتحدة الأمريكية، تعدّ المملكة العربية السعودية شريكاً، وصديقاً رئيسياً لها في المنطقة، وأنها وقفت إلى جانبها في كل الظروف، خاصة حينما واجهت المملكة خطر وجود القوات المصرية في اليمن، عام 1962، ثم إبّان الحرب العراقية ـ الإيرانية، وما تعرضت بسببه الملاحة، والذي تصدت له البحرية الأمريكية، وكفلت حرية الملاحة في الخليج.

    وبعد هذا العرض الذي قدمه تشيني، عن المساعدات التي قدَّمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، في الأزمات التي هددت أمنها، دخل الوزير الأمريكي في صميم موضوع أزمة الخليج، مباشرة، وقال إن الرئيس الأمريكي، بوش، يقترح إستراتيجية، على مستويَين:

المستوى الأول: تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية على الدفاع عن المملكة، ضد أي هجوم محتمَل.

المستوى الثاني: العمل على حصار العراق بالوسائل الاقتصادية (على أساس قرار مجلس الأمن، الرقم 661، الذي تلقّى تشيني نصه، أثناء تحليقه في الجو، في طريقه إلى جدة).

    وتابع الوزير الأمريكي اقتراح الرئيس الأمريكي، وقال: "إن العقوبات الاقتصادية، وحدها، من وجهة نظر الرئيس بوش، لن تكون كافية لأداء الغرض. لكن تقديره أنه عندما يستشعر صدام حسين الضغط، فقد يجد مخرجه في شن هجوم على المملكة. ولهذا، فإن من المهم، أن نكون مستعدين على المستويَين: مستوى الدفاع، ومستوى الحصار...".

 

صدام قد يهاجم المملكة، في غضون 48 ساعة

    وبعد أن انتهى الوزير الأمريكي من شرح اقتراح الرئيس بوش، استأذن الملك فهد، في أن يترك الكلام للجنرال نورمان شوارتزكوف، الذي راح يتحدث عن مسرح العمليات، وخلص إلى القول: "إننا نعتقد، أن صدام حسين، يمكن أن يهاجم المملكة، في غضون 48 ساعة. ولا نعرف، على وجه التحديد، ما الذي يدور في رأسه". ثم أضاف: "إننا نعلم، أن هناك 22 طائرة عراقية، موجودة في إحدى القواعد الجوية القريبة. ومعها طائرات التزود بالوقود في الجو، لكي تسمح لها بمدى عمل أبعد. ولكننا لا نعرف الهدف من وراء ذلك. ومن المحتمَل أن يكون مقصوراً على مهاجمة الأسطول الأمريكي".

    حاول شوارتزكوف أن يكون متوازناً في عرضه. فلم يشأ أن يقول، إن هذه القوة الجوية العراقية موجَّهة ضد المملكة، حتى لا يخطر ببال الملك فهد، أن الجنرال الأمريكي، يحاول تخويفه. ولكن الملك فهداً، فهم الإيماءة، ورد عليه بقوله: "كنا نعتقد أن صدام حسين رجل صادق. ولقد قال لنا، ولكم، ولـ مبارك، إنه لن يهاجم الكويت، وحدث العكس". ولقد وصل الملك إلى نقطة أساسية في حديثه عندما قال: "إننا، الآن، على بيّنة من نياته. وما دام الاستعداد كافياً، والقوة متوافرة، فإننا في وضع، يسمح لنا بدفع هذه العملية العراقية. وإنني لممتن، أن هذا يحدث".

    واستكمل شوارتزكوف حديثه، فتكلم على حجم القوات العراقية، ودرجة استعدادها. وبيّن أن قدراتها، ليست على درجة عالية من الكفاءة؛ إذ إنها لا تتقن الهجوم. وضعفها الرئيسي في نظام القيادة المركزي. وضباطها لا يستطيعون التصرف، إلاّ إذا صدرت إليهم الأوامر. لكنها، في النهاية، خصم صلب. ثم انتقل إلى القوات الأمريكية، المخصصة للعملية (1002 ـ 90) 1990 .

    وقد دارت عدة مناقشات فرعية. قال الملك، في نهايتها، لوزير الدفاع الأمريكي: "نحن موافقون على المبدأ. والله يساعدنا على أن نقوم بالعمل الذي يلزم". وأضاف الملك قائلاً: "إن المهم، الآن، أن نحمي بلدنا، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد فكرنا في دعوة دول عربية صديقة أخرى، إلى الاشتراك معنا، ومعكم". ورد وزير الدفاع الأمريكي بقوله: "إن هذه فكرة رائعة". وعقّب الملك فهد على ذلك بقوله: "إن بعضهم أصدقاء لكم، ولنا". ثم استطرد الملك: "إن علينا أن نعمل معاً، بصرف النظر عمّا يمكن أن يقوله الآخرون".

    وعند اقتراب اللقاء من اللحظات الختامية، قال الملك فهد لوزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني: "في الختام، أقدِّم شكري إلى الرئيس، وإلى نائب الرئيس، وإلى كل الوزراء، وإلى مجلسَي الكونجرس، وإليك شخصياً؛ فإنك جئت إلى هنا بهدف واحد، وهو هدف مساعدة المملكة.

    إنني أرجو أن تنتهي المشكلة في المنطقة بسرعة، لكي أجيء إليكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأقِّدم بنفسي شكري للجميع". وقال تشيني أنه سيسافر في صباح اليوم التالي (7 أغسطس)، تاركاً فريق عمل في المملكة، لترتيب بعض الإجراءات الضرورية. وأضاف الملك فهد، ناصحاً لوزير الدفاع الأمريكي: "كلما تحدثت أقلّ إلى وسائل الإعلام، كان ذلك أفضل".

 

مهمة وساطة جديدة

    وفي 7 أغسطس 1990، كان ريتشارد تشيني، لا يزال في المملكة العربية السعودية، ويستعد لمغادرتها، إلى جمهورية مصر العربية، بعد أن أنجز مهمته. وفي صباح هذا اليوم، وصل ياسر عرفات، ومعه صلاح خلف (أبو إياد) ، قادمَين من ليبيا، في مهمة وساطة جديدة. ولكنهما لم يتمكنا من مقابلة الملك فهد، الذي اعتذر عن عدم مقابلتهما، لانشغاله مع وزير الدفاع الأمريكي. وأبلغهما أحد مساعدي الملك فهد، أنه لن يتمكن من مقابلتهما، قبْل يوم غد. وغادرا المملكة، في طائرة سعودية خاصة، على أن يعودا في اليوم التالي.

    وفي هذا الوقت، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها قررت إرسال قوات أمريكية إلى المملكة العربية السعودية، للدفاع عنها. وفيما كانت الطائرات الأمريكية المقاتلة، وطلائع الفِرقة 82، المحمولة جواً، تصل إلى المملكة، صدر، في الرياض، قرار إغلاق أنابيب النفط العراقية، المارّة عبر الأراضي السعودية، إلى المرافئ المطلة على البحر الأحمر.

    وفي يوم 8 أغسطس، عاد إلى المملكة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأبو إياد. واستقبلهما الملك فهد. وعرض ياسر عرفات على الملك مشروعاً، أعده هو والعقيد معمر القذافي، يمكن صدام حسين أن يوافق عليه. ويتضمن هذا المشروع، أن ينسحب العراق من الكويت، على أن تدفع إليه تعويضات، وأن يستأجر جزيرتَي وربة وبوبيان، وأن تحل قوات ليبية ـ فلسطينية محل القوات العراقية، وأن يبدأ الجانبان مفاوضات، لحل الخلافات بينهما. وكان رد الملك عليه، أن على صدام حسين، أن يرضخ، أولاً، لشروط المجتمع الدولي، ثم يمكن أن يناقَش أي شيء. وعندما اكتشف ياسر عرفات إصرار الملك فهد على ضرورة انسحاب العراق من الكويت، وعودة حكام الكويت، بدأ يشرح للملك المشاكل المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والعواقب التي يمكن أن تحدث لها، من جراء هذه الأزمة.

وقد استمر الحديث نحو 10 دقائق. وخُتِم بقول الملك فهد: "يؤسفني أنكم أنكرتم ما قدّمه إليكم الكويتيون. لقد جئتم تحملون وجهات نظر المعتدي، وتتجاهلون المعتدَى عليه، والذي عشتم على أرضه، وشاركتموه لقمته". وانتهى اللقاء عند هذا الحد، وغادر ياسر عرفات ومرافقه المملكة، إلى بغداد.

 

مؤتمر القمة العربية، يدين الغزو العراقي للكويت

    وفي يوم الخميس، 9 أغسطس 1990، وجّه خادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، كلمة، تحدث فيها عن مجريات الأحداث، وعن قراره التاريخي، الذي اتخذه لحماية أمن المملكة العربية السعودية من أي اعتداء عليها.

 وشرح في كلمته، الجهود والمحاولات، التي بُذلت مع كلّ من الحكومتَين، في الجمهورية العراقية ودولة الكويت، من أجْل تطويق الخلاف الناشئ بين البلدَين. كذلك محاولات المملكة رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر، والحيلولة دون تصعيد الأمور بينهما، إلى أن أقدَم العراق على غزو الكويت وما تلاه من أحداث، ثم حشد القوات العراقية على حدود المملكة، إذ قال: "وأمام هذا الواقع المرير، وانطلاقاً من حرص المملكة على سلامة أراضيها… أعربت المملكة العربية السعودية عن رغبتها في اشتراك قوات عربية شقيقة، وأخرى صديقة. فبادرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، كما بادرت الحكومة البريطانية، ودول أخرى، بحكم علاقات الصداقة التي تربط بين المملكة العربية السعودية وهذه الدول ـ إلى إرسال قوات، جوية وبرية، لمساندة القوات المسلحة السعودية على أداء واجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين، ضد أي اعتداء، مع تأكيد أن هذا الإجراء، ليس موجَّهاً ضد أحد، وإنما هو لأغراض دفاعية محضة، تفرضها الظروف الراهنة، التي تواجهها المملكة العربية السعودية

    وظُهر 10 أغسطس 1990، كان الملك فهد بن عبدالعزيز، يرأس وفد المملكة إلى مؤتمر القمة العربية الطارئة، في القاهرة. وفي مساء اليوم نفسه، اختتم مؤتمر القمة العربية، بإصدار قرار، يدين الغزو العراقي للكويت، ويستنكر حشد العراق قواته المسلحة على حدود المملكة العربية السعودية ويؤيد الإجراءات، التي تتخذها المملكة، ودول الخليج الأخرى، إعمالاً لحق الدفاع الشرعي. ويستجيب لطلب المملكة نقْل قوات عربية، لمساندة قواتها المسلحة، دفاعاً عن أراضيها وسلامتها الإقليمية، ضد أي عدوان خارجي.

 

موقف دول الجوار الإقليمية، وردود أفعالها تجاه الغزو

 

1. موقف تركيا وردّ فعلها

لدى وقوع الغزو العراقي للكويت، تغير الموقف التركي حيال العراق، حين سارعت الحكومة التركية إلى إدانته، من خلال بيان صادر عن الخارجية التركية في 2 أغسطس 1990  وطالبت بغداد بانسحاب القوات العراقية، فوراً، من الكويت، وعودة الشرعية إليها. وذلك انطلاقاً من حرصها على عدم تعاظم قوة العراق، الاقتصادية والعسكرية.

وفي 4 أغسطس، دار حديث هاتفي، بين الرئيس الأمريكي، جورج بوش، والرئيس التركي، تورجوت أوزال، حول الموقف. شرح الرئيس الأمريكي، خلاله، للرئيس التركي، أن التعاون الدولي، ضد بغداد سيعتمد، في الدرجة الأولى، على قطع صادراتها النفطية، التي تمثل 80% من دخْل العراق. إلاّ أن الرئيس التركي، لم يعطِ وعداً قاطعاً، بل رد قائلاً: "سندرس الأمر ونرد عليكم".وبالتالي، لم تقدِم تركيا على اتخاذ أي إجراء ضد العراق، انتظاراً للحصول على المقابل من المجتمع الدولي، بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، بصفة خاصة، من خلال المطالبة بتعويضها عن الخسائر الاقتصادية، التي ستعانيها من جراء ذلك.

 

وكنوع من الضغط على واشنطن، للإسراع في تقديم الدعم المقابل، عمدت تركيا إلى اتخاذ عدة خطوات:

(1) عدم المبادرة إلى اتخاذ قرار، بغلق خط أنابيب النفط العراقي، الذي يمر في أراضيها.

(2) استقبال النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي، طه ياسين رمضان والتباحث معه في الموقف التركي من الأزمة، في محاولة عراقية لتحييد تركيا، ومنعها من إغلاق خط الأنابيب.

(3) عدم الموافقة على السماح للقوات الأمريكية باستخدام قاعدتها العسكرية في تركيا، قاعدة أنجرليك، القريبة من الحدود التركية ـ العراقية، مؤكدة أن القاعدة لا تستخدم، إلاّ في خدمة أهداف حلف شمال الأطلسي، وهو ما لا تندرج مواجَهة العراق في إطاره.

ومع بدء تدفق القوات الأمريكية إلى المنطقة، بدأت واشنطن تكثيف المفاوضات مع أنقرة، للمشاركة في إحكام الحصار على العراق. وهي المفاوضات، التي جرت أثناء زيارة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، إلى أنقرة، في 7 أغسطس 1990، التي أسفرت عن حصول تركيا على العديد من المكاسب، ثمناً لتبنِّي الموقف الذي أرادته الولايات المتحدة الأمريكية. ومن أهم تلك المكاسب:

(1) تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بتعويض تركيا عن عوائد مرور النفط العراقي عبْر أراضيها، بل التعهد بتقديم تعويضات تفوق تلك العوائد، إضافة إلى تعويضها عن وقْف التبادل التجاري الضخم مع العراق[5].

(2) رفع القيود العسكرية، المفروضة على تسليح تركيا، منذ غزوها جزيرة قبرص، عام 1974، فضلاً عن منحها مساعدات عسكرية إضافية، زيادة على المخصص لها.

وما إن حصلت تركيا على هذه المكاسب، حتى قررت في 7 أغسطس 1990، إغلاق خطيَّ أنابيب النفط العراقي الممتدان من كركوك والموصل.ووقف العلاقات التجارية بالعراق، وجميع أعمال الاستيراد والتصدير، مع العراق والكويت، باستثناء المواد، الغذائية والطبية، تنفيذاً للعقوبات الاقتصادية الدولية. وسمحت للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام قاعدة أنجرليك العسكرية، بل بادرت تركيا إلى زيادة حجم قواتها، المتمركزة على الحدود مع العراق، من 60 ألفاً إلى 100 ألف جندي.

وفي 9 أغسطس، صرحت قيادة القوات الجوية التركية، بأن تركيا، وضعت قواتها الجوية في حالة تأهّب، وألغت جميع الإجازات لطياريها، لمواجهة أي توتر في الخليج.

وفي 14 أغسطس 1990، استصدرت قراراً من البرلمان، يخول الحكومة التركية اتخاذ الإجراءات الملائمة، احتياطاً لاحتمال اندلاع الحرب. وما لبثت تركيا أن أصبحت طرفاً أصيلاً في مواجَهة العراق، إذ اتخذت إجراءات إضافية، زادت حصاره إحكاماً.

 

 موقف إيران وردّ فعلها

خلال الأيام الثلاثة الأولى، التي أعقبت الاجتياح العراقي للكويت، اتخذت إيران موقفاً هادئاً إلى حدّ كبير. وكان أول رد فعل إيراني، هو وضع بعض وحدات البحرية الإيرانية، الموجودة في الخليج، في حالة تأهب، مع التأكيد أن ذلك ليس مؤشراً ولا تلميحاً إلى استئناف العمليات العسكرية ضد العراق. بل إن وسائل الإعلام الإيرانية، أخذت تقلّل من شأن التحرك العراقي، ووجهت انتقاداتها القاسية إلى الأُسرة الحاكمة في الكويت، ووصفتها بأنها مرتبطة بالدوائر، الصهيونية والإمبريالية.

وقد أثار هذا الموقف الظن بأن إيران والعراق، قد توصلتا إلى صفقة ما، في شأن مستقبل الأوضاع في الخليج، وإعادة صياغة التوازنات في المنطقة الخليجية، بما يحقق مصالحهما معاً، على حساب الأطراف الخليجية العربية الأخرى. وأن ذلك ناجم عن الاتصالات السابقة، التي كانت قد بدأت بين البلدَين، بصورة مباشرة، منذ 21 أبريل 1990، حين أرسل الرئيس العراقي، صدام حسين، أول رسالة مباشرة إلى نظيره الإيراني، هاشمي رفسنجاني، ولم يُكشف عن مضمونها، في حينه.

يضاف إلى ذلك الغموض الذي شاب الموقف الإيراني، إزاء القرارَين الدوليَّين، اللذَين اتخذهما مجلس الأمن، في 2 و6 أغسطس 1990. ففي 3 أغسطس 1990، أيدت إيران قرار مجلس الأمن، الرقم 660، الصادر في 2 أغسطس 1990، ونددت باحتلال العراق الكويت، وطالبته بالانسحاب الفوري. وفي 7 أغسطس، أيدت طهران فرض الحصار الاقتصادي على العراق، بل دعت إلى الالتزام به. وقُوبل هذا التأييد بارتياح، من جانب الدول العربية.

لقد أدى هذا الموقف الإيراني إلى تحركات عربية، ولا سيما من قِبل سورية، الدولة العربية ذات العلاقات الخاصة بإيران، والمتضررة، كذلك، من هذا التنسيق العراقي ـ الإيراني، في حالة وجوده. ولذلك، استقبلت دمشق وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر ولايتي وباحثته في أوضاع الخليج.

وفي 8 أغسطس، بدأ الوزير الإيراني يشدد على أن بلاده، لا تقبَل أي تغيير أو تعديل في الحدود الكويتية، سواء في البر أو في البحر. وواكب ذلك انتقادات، في الإعلام الإيراني، لغزو العراق الكويت، اتسمت بالشدة والوضوح.

وفي 9 أغسطس، أعلنت إيران رفضها قرار العراق، ضم الكويت، تحت اسم الوحدة الاندماجية. وقال بيان إيراني: "إن إيران بوصفها دولة كبرى في منطقة الخليج، لن تسمح بتغيير جغرافية المنطقة السياسية".

وكانت الرؤية الإيرانية أشد وضوحاً، في تصريح الرئيس الإيراني، رفسنجاني، إذ قال: "إذا أسفر حل أزمة الخليج، سلمياً، عن احتفاظ العراق بجزيرة بوبيان، فإن القوات الإيرانية، ستبادر إلى احتلال هذه الجزيرة. وعليه، ترفض إيران أي حل سلمي، يتضمن تعديلاً للحدود الإقليمية، لأن أي تعديل حدودي، سيشكل تهديداً لأمن إيران".

 

وفي الوقت نفسه، حدّد المجلس الأعلى للأمن القومي، موقف إيران، بثلاثة مبادئ، هي:

(1) عدم قبول الاحتلال العراقي للكويت، بأي شكل من الأشكال.

(2) الحل الوحيد، يبدأ بالانسحاب الفوري، غير المشروط، للقوات العراقية من الكويت.

(3) استعداد إيران للدفاع عن مصالحها، في أي ظرف كان.

 

القرارات الدولية

خلال الفترة من 2 إلى 9 أغسطس 1990، صدرت ثلاثة قرارات دولية عن مجلس الأمن، هي:

·    القرار الرقم 660، الصادر في 2 أغسطس 1990.

·    القرار الرقم 661، الصادر في 6 أغسطس 1990.

·    القرار الرقم 662، الصادر في 9 أغسطس 1990.

وقد وقع الغزو، والنظام الدولي، يتحول من عصر الحرب الباردة إلى عصر الوفاق، إذ قررت الدول الكبرى أن تعمل سوياً في نطاق الأمم المتحدة، وأن تجسد نظام الميثاق، الذي عاقت الحرب الباردة تنفيذه، طوال نصف قرن. لذا، كان الغزو أول تحدٍّ لهذا التحول، وأول اختبار لفاعلية النظام الجديد.

 

1. القرار الرقم 660، الصادر في 2 أغسطس 1990، ويتضمن (اُنظر وثيقة قرار مجلس الأمن، الرقم 660، الصادر في 2 أغسطس 1990، في شأن إدانة الغزو العراقي للكويت

أ. إدانة الغزو العراقي للكويت.

ب. مطالبة العراق بسحب جميع قواته، من الفور، ومن دون قيد أو شرط، إلى المَواقع التي كانت توجد فيها، في الأول من أغسطس 1990.

ج. دعوة العراق والكويت إلى البدء، من الفور، بمفاوضات مكثفة، لحل خلافاتهما. ويؤيد جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد، ولا سيما جهود جامعة الدول العربية.

 

2. القرار الرقم 661، الصادر في 6 أغسطس 1990، ويتضمن (اُنظر وثيقة قرار مجلس الأمن، الرقم 661، الصادر في 6 أغسطس 1990، في شأن فرض الحظر الاقتصادي على العراق :

-اتخاذ المجلس عدة تدابير، لضمان امتثال العراق الفقرة (2)، من القرار الرقم 660، وإعادة السلطة إلى الحكومة الشرعية في الكويت. وتقتضي تلك التدابير امتناع جميع الدول عن:

أ. استيراد أيًّ من السلع والمنتجات، إلى أقاليمها، والمصدَّرة من العراق أو الكويت، بعد تاريخ هذا القرار.

ب. أي أنشطة لرعاياها، أو تجري في أقاليمها، من شأنها تعزيز التصدير أو الشحن العابر، لأي سلع أو منتجات من العراق أو الكويت. وكذلك أي تعامل، في أقاليمها، من قِبل رعاياها أو السفن التي ترفع أعلامها، في شأن أي سلع أو منتجات، يكون مصدرها العراق أو الكويت، وتكون مصدرة منهما بعد تاريخ هذا القرار، ولا سيما تحويل الأموال منهما، خدمة لتلك الأنشطة وذاك التعامل.

ج. أي عمليات بيع أو توريد، في أقاليمها، يعمد إليها رعاياها، أو تستخدم فيها السفن التي ترفع أعلامها، ولا سيما بيع أو توريد الأسلحة، أو أي معدات عسكرية أخرى، سواء كانت ناشئة في إقاليمها، أو لم تكن، عدا الإمدادات الطبية، أو المواد الغذائية، في ظروف إنسانية خاصة، لأي شخص أو هيئة، في العراق أو الكويت، أو لأي شخص أو هيئة، تضطلع فيهما بعمليات تجارية. وكذلك أنشطة رعاياها، أو الأنشطة في أقاليمها، التي يكون من شأنها تقوية عمليات البيع أو التوريد هذه، أو استخدام هذه السلع أو المنتجات.

د. توفير أي مشروعات، تجارية أو صناعية، أو أي مشروعات تتعلق بالمرافق العامة، في العراق أو الكويت.

وقرر المجلس أن تشرِف لجنة على تنفيذ هذا الحظر، تضم جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وهي، إلى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية: فنلندا ـ كوبا ـ كولومبيا ـ إثيوبيا ـ ساحل العاج ـ رومانيا ـ زائير ـ ماليزيا ـ اليمن ـ كندا. ويرأس اللجنة مندوب فنلندا، وانتُخب مندوبا كولومبيا وكندا نائبَين له.

وبيّن المجلس، في قراره، نقطة مهمة جداً، تتعلق بمساعدة الحكومة الكويتية الشرعية. وتتمثل في، أنه لا يوجد في القرار، ما يمنع من تقديم المساعدة إلى الحكومة الشرعية في الكويت. وطلب المجلس، في هذا الصدد، من جميع الدول، اتخاذ ما يلي:

أ. اتخاذ تدابير ملائمة لحماية الأموال، التي تملكها حكومة الكويت الشرعية ووكالاتها.

ب. عدم الاعتراف بأي نظام، تقيمه سلطة الاحتلال.

    وقد صدر هذا القرار بأغلبية 13 صوتاً، وامتناع دولتَين عن التصويت، هما كوبا واليمن.

 

3. القرار الرقم 662، الصادر في 9 أغسطس 1990 (اُنظر وثيقة قرار مجلس الأمن، الرقم 662، الصادر في 9 أغسطس 1990، في شأن رفض قرار العراق ضم الكويت صدر هذا القرار، رداً على ضم العراق الكويت وأكد فيه المجلس حزنه الشديد لإعلان العراق اندماج الكويت فيه اندماجاً تاماً، وأبدياً. وكرر المجلس فيه، ما جاء في قرارَيه السابقَين، في شأن انسحاب كافة القوات العراقية، من الفور، ومن دون قيد أو شرط، إلى المَواقع التي كانت موجودة فيها، في الأول من أغسطس 1990. واستعادة الكويت سيادتها واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وسلطتها الشرعية.

 

نداء  صدام واتهامات للعاهل السعودي

ومع بدء عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت صباح يوم الخميس، 17 يناير 1991 وجه رئيس النظام العراقي بيانا يعلن فيه الحرب على العراق وموجها اتهامات لاذعة الى العهل السعودي قائلا:

    أَلاَ خسئ فهد، خائن الحرمَين الشريفَين، وخائن الأمة، العربية والإسلامية، الذي سيخسر هو، ومن على شاكلته، الدنيا بعد الآخرة. أَلا تبّاً له من مجرم غادر قبيح.

    إن الله معنا، أيها الإخوة. إنه ـ سبحانه ـ مع المؤمنين الصابرين الصامدين المجاهدين، وإنه ناصرهم، لا محالة ـ إن شاء الله ـ.

    ومع اشتداد المنازلة، وصمود المؤمنين، يقترب الفرَج، لينفتح أمام الأمة كلها، لتطيح بالكراسي والعروش، التي تأسست على الفساد، وتطيح بالخونة المارقين، بعد أن تتحطم إرادة الشر، والشيطان في البيت الأبيض، وكْر الكفر والتسلط؛ وفي وكْر الدبابير السامة، والعدوان، في تل أبيب المجرمة، فتتحرر فلسطين العزيزة، وأهلها الطيبون المجاهدون، وتتحرر الجولان ولبنان، ويتحرر الإنسان في أرض العرب، وفي كل مكان، ظلم فيه الظالمون المستكبرون الشعوب والأمم.   يا محلى النصر ـ بعون الله ـ.   وليخسأ الخاسئون.

 

 

محاولة أخيرة لإقناع "صدام حسين"، بالرحيل عن العراق

 

وبعد حرب تحرير الكويت واشتداد الازمة مع النظام العراقي وفي محاولة أخيرة من جانب الدول العربية لإقناع "صدام حسين"، بالرحيل عن العراق وتجنيبه ويلات حرب جديدة، عُقدت قمة عربية في شرم الشيخ، في مارس 2003، طرح خلالها الشيخ "زايد آل نهيان" رئيس دولة الإمارات، مبادرة شُجاعة لتخلي صدام عن حكم العراق، واستضافته وعائلته في الإمارات. إلا أن حالة الاستقطاب التي كانت سائدة اجتماعات القمم العربية بين مؤيدين للنظام العراقي، على رأسهم سورية والجزائر والسودان والسلطة الفلسطينية، ودول عربية أخرى معارضة لهذا النظام تتمثل في مصر ودول الخليج العربية والأردن، أفشلت مبادرة الشيخ زايد، بل أجهضتها برفض مناقشتها.

ولقد أتاحت هذه المبادرة فرصة أمام "صدام حسين" لأن يرحل عن العراق خلال أسبوعين، مع ضمان دولي بعدم ملاحقته قضائياً، ومعه كل أسرته ومعاونوه ومساعدوه، وبذلك يُنزع فتيل الأزمة وتفوت الفرصة على بوش في شن الحرب على العراق. كما أعطت هذه المبادرة مبرراً قوياً لوقف جميع الاستعدادات العسكرية للحرب، وإيقاف آلتها التي كانت مندفعة بقوة نحو الاصطدام ببغداد، في النصف الثانى من مارس 2003.

كما أعطت هذا المبادرة أيضاً دافعاً مهماً للتفكير في مرحلة عراق ما بعد صدام، ولاسيما أنها كانت تحظى بدعم كل الدول الكبرى الرافضة للحرب، والتى شجعت على رحيل صدام، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسى شيراك والرئيس بوتين، الذي طرح هذا الحل بواسطة مبعوثه بريماكوف الذي زار بغداد قبل اندلاع الحرب بشهر لنفس السبب، عارضاً مبادرة مماثلة، ولكن صدام رفضها. كما كان من مزايا مبادرة الشيخ زايد أنها وضعت العراق تحت وصاية الجامعة العربية والأمم المتحدة، بدلاً من القوات الأمريكية وحكم عسكري أمريكي مباشر لسنتين على الأقل، وبالتالى تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من وضع يدها على مقدرات العراق سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

كذلك نصت مبادرة الشيخ زايد على إصدار عفو شامل عن عراق الغد، وهو ما يؤمن نزع فتيل الصراعات العرقية والطائفية والسياسية، وتصفية الحسابات القديمة والحديثة بين مؤيدي النظام الصدامي ومعارضيه، ويؤمِن كذلك استقلال ووحدة أراضي العراق في ظل حكومة مركزية، تكفل حقوق وواجبات جميع أبناء العراق، بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والطائفية.

 

*تم نشر البحث التوثيقي في مجلة" المرصد " العدد:7823 1/8/2023

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  مام جلال.. المدافع الحقيقي عن العمال وحقوقهم ومآثرهم
←  زيارة اردوغان ..مسار جديد ام دوامة التازم؟
←  امريكا و حقوق الانسان في العراق واقليم كردستان
←  فورين افيرز: لا تتركـــوا العــــراق
←  واشنطن بوست:ما على الولايات المتحدة فعله بعد الهجوم الإيراني
←  فورين بوليسي: الرد الإسرائيلي على إيران تحدد شكل الحرب الإقليمية
←  واشنطن تايمز: إرث الإبادة الجماعية لصدام حسين
←  محمد شياع السوداني:​الطريق إلى التعاون المستدام
←  جون ب. ألترمان:خيار الانفراج بالنسبة لإيران
←  ديفيد اغناتيوس:​الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع لا يريدها أحد
←  د. سرحد سها كوبكجوغلو:مشروع طريق التنمية العراقي التركي
←  ايزجي اكين:خمس نقاط رئيسية من الانتخابات المحلية في تركيا
←  القوة بالوكالة: كيف تشكل إيران الشرق الأوسط؟
←  من يخشى الانتخابات ؟
←  الأتراك مستعدون للتغيير فهل سيسمعهم أردوغان؟
←  نتائج الانتخابات.. زلزال سياسي وتحولات ورسالة تحذير
←  عن الانتخابات البلدية في تركيا ومعركة إسطنبول
←  فورين بوليسي:انتخابات تقرر مستقبل تركيا
←  المونيتور : الانتخابات المحلية في تركيا ومصير أردوغان
←  عصر اللاأخلاقية..هل تستطيع أمريكا إنقاذ النظام الليبرالي بوسائل غير ليبرالية؟
←  مشروع طريق التنمية العراقي التركي
←  ثلاث عقود من الريادة ومواكبة المرحلة
←  السابع من ​أكتوبر غير كل شيء، لكن ماذا لو لم يتغير؟
←  اسئلة الوجود العسكري الأمريكي امام الكونغرس
←  تنامي المخاوف من توسع صراع الشرق الأوسط في العراق
←  الانقسامات و تحديات أزمة الثقة العالمية
←  حرب غزة تُغيّر الشرق الأوسط.. وتُشعل شرارة التطرف
←  الحرب الإقليمية التي كان يخشاها الجميع بدأت بالفعل في الشرق الأوسط
←  العالم والمنطقة تحت مجهر المرصد
←  مؤتمر ميونخ للامن والمخاطر المحدقة في النظام العالمي وقواعده
←  زيارة مختلفة لرئيس منتخب الى دولة مختلفة
←  من اسبرطة الشرق الاوسط الى البيت الكرتوني ..
←  العالم والمنطقة تحت مجهر المرصد
←  مام جلال..يكفيك فخرا واعتزازا هذه المآثر
←  انعطافة المؤتمر وحتمية النجاح
←  الاستفتاء .. رفض البدائل الدولية والمجازفة بالمكتسبات
←  قمة العشرين .. أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد
←  اوراق من الغزو الصدامي للكويت
←  ثغرات يجب تفاديها
←  ملف ..القضاء بين الاستقلالية وسوء السلوك
←  حصاد عام صعب عبر (135) عددا من مجلة المرصد
←  عند الحلف بالله و التعهد للشعب
←  سيفر..المعاهدة الدولية الاولى التي تعترف بحقوق الشعب الكردي
←  الاتحاد الوطني وستراتيجية الاصلاح و التجديد
←  جريمة حلبجة شاهد على الجرح الكردي من معاداة لحقوقهم المشروعة
←  قضية كركوك ومراحل ولادة المادة 140
←  المسؤوليات الوطنية تجاه خياري كردستان واسكتلندا