×

  رؤا

نحو لامركزية تضمن وحدة التراب العراقي

26/03/2023

عن صحيفتي (لوس أنجلوس تايمز )و(واشنطن بوست ) 26/8/2006 :

قبل أربعة أشهر مضت، كنتُ قد شاركت مع "ليز غليب" الرئيس الفخري لـ"مجلس العلاقات الخارجية" في كتابة مقال من مقالات الرأي، حددنا فيه ملامح خطة تفصيلية لكيفية الحفاظ على وحدة العراق، وحماية المصالح الأميركية، إلى جانب سحب قواتنا من هناك وإعادتها إلى أرض الوطن.

وقد رحَّب الكثير من الخبراء الأميركيين بتلك الأفكار المتضمنة في الخطة. ومنذ ذلك الوقت، جعل تطور وتصاعد أحداث العنف هناك، تلك الخطة أكثر وأشد إلحاحاً من الوقت الذي اقترحناها فيه.

والحقيقة الجوهرية التي لا مِراء فيها الآن هي أن موجة العنف الدائرة بين الشيعة والسُّنة قد تجاوزت حد التمرد ونشاط الإرهابيين الأجانب، باعتبارهما المهددين الرئيسيين للأوضاع الأمنية في العراق.

 وقد أقرَّ كبار خبرائنا المدنيين والعسكريين المقيمين في العراق -وعلى رأسهم زلماي خليل زاد سفيرنا في بغداد وكذلك الجنرالات جورج كيسي وبيتر بيس وجون أبي زيد- بهذه الحقيقة.

وفي الانتخابات العامة التي أجريت في شهر ديسمبر الماضي، كانت نسبة 90 في المئة من جملة أصوات الناخبين من نصيب القوائم الطائفية.

 ويوماً إثر يوم، يزداد إمساك المليشيات الطائفية والعشائرية بالسلطة والقانون هناك، إلى درجة تمكنت فيها هذه المليشيات من اختراق أجهزة الأمن الرسمية. وفي غضون ذلك بدأت أعمال التطهير العرقي والطائفي في المناطق المختلطة السكان، ما دفع بنحو 20 ألف عراقي إلى الهروب من بيوتهم وديارهم خلال الأشهر الأخيرة الماضية، خوفاً من عمليات الثأر الطائفي.

 وإلى ذلك كله تسهِم معدلات البطالة العالية في أوساط الشباب في تغذية صفوف وعصابات هذه الميليشيات الطائفية المسلحة.

والنتيجة التي لابد من إقرارها هي أنه ليست ثمة قوة عسكرية مهما بلغ حجمها، تستطيع حل هذه المعضلة. والسبيل الوحيد للحفاظ على وحدة تراب العراق، وخلق الظروف الأمنية والسياسية المواتية لانسحابنا المسؤول منه، هي إعطاء السُّنة والشيعة والأكراد العراقيين من الحوافز ما يدفعهم إلى السعي وراء تحقيق مصالحهم سلمياً، والبحث عن تسوية سياسية مستدامة لأزمة بلادهم.

ومن المؤسف أنه ليس للإدارة الأميركية الحالية أية خطة أو استراتيجية واضحة يعوَّل عليها في تحقيق النصر هناك. والشاهد أن الاستراتيجية الوحيدة التي تعول عليها الإدارة هي تفادي الهزيمة العسكرية وإحالة الأمر برمته للإدارة القادمة التي ستتولى دفة القيادة الأميركية.

وبين هذا وذاك تزداد يوماً إثر يوم أعداد الأميركيين المؤيدين لفكرة الانسحاب المحدود من العراق تحت وطأة تصاعد موجة العنف والقتل وتزايد الشعور بالإحباط.

 غير أن في تأييد خطة محدودة كهذه، مغامرة بإحلال الفوضى العارمة محل الديكتاتورية والطغيان البعثي، واحتمال اندلاع حرب أهلية قد تمتد ألسنة نيرانها لتشمل المنطقة الشرق أوسطية بأسرها.

لذلك فما أسوأ كلا الخيارين، سواء تأجيل الحل وإحالته إلى الإدارة الأميركية المقبلة، أم تأييد خطة لن تتمخض إلا عن مزيد من الفوضى والعنف والدمار.

 في مقابل ذلك كنت أنا و"ليز غليب" قد بلورنا خطة تقوم على خمسة مرتكزات، تبدو أفضل بكثير مما هو متاح الآن.

 أولها اتخاذ اللامركزية سبيلاً للحفاظ على وحدة التراب العراقي. ويتطلب ذلك منح الشيعة والسُّنة والأكراد مناطقهم الخاصة بهم ككلٍ، على أن تكون الحكومة المركزية مسؤولة عن حماية المصالح العامة مثل الأمن العام وتوزيع عائدات الثروة النفطية.

 ثانياً، استقطاب المسلمين السُّنة إلى هذه الصفقة السياسية عن طريق توفير الضمانات الكافية لحصولهم على حصة مناسبة من العائدات النفطية. إلى ذلك، لابد من منح كل مجموعة الحق في تحقيق الحد الأقصى للإنتاج النفطي. وبذلك يكون النفط بمثابة المادة اللاصقة والموحدة لمختلف مناطق العراق وأجزائه.

ثالثاً، ستؤدي هذه الخطة إلى توفير وظائف لا حصر لها، إلى جانب مساهمتها في زيادة الأموال والمساعدات المالية المخصصة لبرامج إعادة الإعمار، لاسيما تلك التي تسهم بها دول الخليج الغنية بالنفط، شريطة أن ترتبط هذه بحماية حقوق الأقليات العراقية.

 رابعاً، تتضمن هذه الخطة دعوة لانعقاد مؤتمر دولي، يتوقع له أن يسفر عن إبرام اتفاقية إقليمية تقضي بوقف العدوان، على أن يعززها إنشاء مجموعة للاتصالات، تكون مهمتها تنفيذ وفرض الالتزامات الإقليمية التي جرى الاتفاق عليها.

خامساً وأخيراً، بدء مرحلة إعادة نشر القوات الأميركية خلال العام الجاري وسحب معظمها بحلول نهاية العام المقبل 2007، شريطة الإبقاء على قوة متابعة محدودة صغيرة الحجم تكلف بمهام رقابة نزاهة دول الجوار والتزامها بتنفيذ بنود اتفاقية عدم العدوان الإقليمية المبرمة، إضافة إلى توجيه ضربة لأي تمركز لتجمعات إرهابية.

هذه الخطة تتفق والدستور العراقي الذي نصَّ سلفاً على ائتلاف المحافظات العراقية الثماني عشرة في تجمعات إقليمية، تكون لها وحداتها الأمنية الخاصة وتكون لها صلاحية تسيير معظم الشؤون اليومية. والشاهد أن هذه الخطة هي الفكرة الوحيدة المتكاملة على الطاولة فيما يتصل بخطر المليشيات الطائفية المسلحة. كما تتفق هذه الخطة ووجود حكومة مركزية قوية ذات مسؤوليات واضحة ومحددة. ومما لا ريب فيه أن هذه الخطة تحدد أجندة عمل لهذه الحكومة التي لن يساعد مجرد وجودها الرمزي في وضع حد لخطر العنف الطائفي، ولا تجنيب العراق كارثة اندلاع حرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر. فهل نمسك بهذه الخطة درءاً للكارثة؟ وإلا فما البديل؟

جوزيف آر. بيدن :سيناتور "ديمقراطي" من ولاية ديلاور، وعضو بارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس "الشيوخ"

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  لا تراجع ..الاستراتيجية التي ستستمر إدارتي في قيادتها
←  ما يتعين عمله من أجل العراق الآن
←  رسالة إلى الكونغرس
←  الاستراتيجية الأمريكية لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار
←  سندافع عن الديمقراطية وحق الناس في العيش في مأمن من العدوان
←  نحو لامركزية تضمن وحدة التراب العراقي
←  مرحلة جديدة من العلاقة والشراكة الحقيقية مع العراق
←  العراق يواجه تحديات أخرى على طريق الأمن والازدهار
←  العراق بالقيادةالحكيمة لطالباني أنجز الكثير من النجاحات
←  بايدن: عامل قوي ومطمئن إلى جانب أوباما
←  تفاؤل بشأن العراق
←  كم هو محظوظ الشعب العراقي، والمنطقة بأسرها، بقيادتكم
←  كركوك أحد المفاتيح الأربعة لحل مشكلة العراق
←  خطــة بخمــس نقــاط للسينــاتـور جوزيــف بــايـدن