استثمار التعداد كفرصة للتقارب وليس التآمر
في بلد يضم تنوعا كبيرا في القوميات والمذاهب، يشكل التعداد العام للسكان أداة أساسية لتحقيق العدالة والمساواة بين جميع مكونات المجتمع، وتتجلى أهميته في إبراز التنوع والتعددية حيث يُظهر حجم كل مجموعة قومية أو دينية بشكل دقيق، مما يعزز الاعتراف بوجود الجميع ويؤكد أهمية احترام حقوقهم و يتيح فرصة لفهم التنوع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وهو خطوة نحو تعزيز التعايش السلمي.
** تساعد بيانات التعداد في توجيه الموارد والخدمات (مثل الصحة والتعليم والإسكان) بشكل عادل لجميع المناطق والمجموعات، دون تمييز ويتمكن صناع القرار من تصميم سياسات تلبي احتياجات الجميع استنادًا إلى أرقام حقيقية، ومن جهة منع سياسات التغيير الديمغرافي فان التعداد يضمن رصدا دقيقا للتغيرات السكانية، مما يمنع التلاعب بالأرقام لفرض سياسات تغيير ديمغرافي أو تهميش مكون معين و يضع حدا لمحاولات محو هوية.
**لنجاح التعداد في تحقيق اهدافه المرجوة اربع ركائز اساسية وهي: التوعية المجتمعية، الشفافية والمصداقية، شمولية البيانات واخيرا توظيف النتائج بشكل عادل وامانة واستخدام البيانات للتخطيط والتنمية وليس كأداة للسيطرة السياسية أو التمييز او التغيير الديمغرافي وان توافر تلك الشروط تعزز الثقة بين المكونات المختلفة في النظام السياسي و يحد من الشعور بالغبن أو التهميش، والجميع يرون أنفسهم ممثلين في البيانات الوطنية.
**سيسجل التاريخ ان التعداد السكاني في العراق للعام 2024 قد اغفل بين مئات اسئلة الاستمارة ،سؤال القومية والمذهب وياترى هل الغرض منه اضفاء صفة المواطنة الحقة على جميع العراقيين ام الهروب من معرفة الواقع؟ فمن العجيب السؤال عن وجود غسالة الصحون والقفز على القومية والمذهب بينما نجد دائما ان القوميات والمذاهب تضفيان على قوائم الانتخابات العراقية بغياب قائمة وطنية جامعة وهذا بالطبع مبعث قلق كردي من وجود خطر على حقيقة التركيب الديمغرافي التاريخي للمناطق المتنازع عليها رغم التاكيدات الرئاسية بان التعداد لاعلاقة لها بالمادة 140 الدستورية الواجبة التنفيذ.
نأمل استثمار التعداد السكاني للعام 2024 كفرصة تاريخية ثمينة للتقارب المجتمعي وليس للتآمر والتغيير الديمغرافي وينبغي التعامل معه بروح وطني عادل وينعكس ايجابا على التنمية والتعليم وحتى الميزانية الاتحادية واستحقاقات الاقاليم والمحافظات ويُستغل كحدث وطني يعزز الهوية المشتركة والانتماء مع ضمان العدالة والمساواة.
ويبقى المواطن هو المحور الاساسي في انجاح التعداد السكاني عبر تثبيت الحضور المكاني مثلما كان محورا في الانتخابات العامة والمحلية.
|