الاتحاد الوطني.. صوت العقل في وجه عواصف الحروب
في لحظة دقيقة من تاريخ المنطقة، وبينما كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منخرطة في مباحثات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بحثاً عن مخارج دبلوماسية تضمن مصالح جميع الأطراف وتخفف من حدة الصراع حول برنامجها النووي ، انفجرت موجة من التصعيد العسكري باغتت الجميع: هجمات جوية نفذتها إسرائيل مستهدفة مواقع إيرانية ادت الى مصرع عدد من قادة إيران وعلمائها البارزين.
هذا التصعيد الخطير، الذي هدد بتوسيع دائرة الاشتعال في الشرق الأوسط، لم يكن مجرد عمل عسكري اعتيادي، بل ضربة عميقة لكل مساعي السلام والتسويات الدبلوماسية التي بدأتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب وأعيد إحياؤها في الأشهر الأخيرة.
في خضم هذا المشهد المضطرب، جاء موقف الاتحاد الوطني الكردستاني ليشكل صوت الاتزان والعقلانية و موقفا للمسؤولية السياسية، ومرجعية ثابتة في الدفاع عن القانون الدولي والسلم الإقليمي ، وذلك عبر بيان صادر عن مكتب رئيس الاتحاد الوطني، أدان فيه بوضوح هذا العدوان بشكل واضح وصريح، معتبراً أن هذه الأعمال تزعزع الاستقرار الإقليمي، وتضرب فرص الحلول السياسية السلمية في عمقها.
دلالات أعمق
أهمية هذا الموقف لا تكمن فقط في الإدانة بحد ذاتها، بل في الدلالات الأعمق التي يحملها،فلطالما عُرف الاتحاد الوطني الكردستاني بانه لا ينجر خلف الانفعالات اللحظية ولا يدخل في محاور الاستقطاب الحاد.
هذه السياسة المتوازنة ليست مجرد موقف تكتيكي، بل رؤية استراتيجية أرساها الرئيس الراحل مام جلال منذ عقود، تقوم على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل مع جميع القوى الفاعلة دولياً وإقليمياً، من واشنطن إلى طهران، ومن العواصم العربية إلى أوروبا وآسيا.
السياسة الخارجية للاتحاد الوطني الكردستاني كانت عبر عقود مثالاً على فن التوازن المدروس فبينما يرتبط الحزب بعلاقات وثيقة وإيجابية وبنّاءة مع الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وسائر الدول والأطراف على مستوى كردستان والعراق والمنطقة والعالم، فإنه لم يجعل من هذه العلاقات أداة تبعية لأي محور أو أجندة خارجية، إنما بنى سياسته على ثوابت الشراكة الندية والمصالح المشتركة، بعيداً عن الانحياز الأعمى أو الاصطفاف العقيم، لذلك، فإن صدور هذا البيان الواضح في إدانة الهجمات العسكرية، يعكس التزام الاتحاد الوطني بمبادئه السياسية الأصيلة، وشعوره العالي بالمسؤولية حيال استقرار المنطقة والعالم.
الاتحاد الوطني لم تبن سياسته هذه على ردود الفعل الآنية، بل على فلسفة ترى أن استقرار كردستان والعراق والمنطقة لا يتحقق إلا عبر السلم، والحوار، واحترام السيادات الوطنية وحقوق الانسان والمواطنة.
إن موقف الاتحاد الوطني في بيان مكتب رئيس الاتحاد تجسيد لمكانته السياسية ومسؤوليته الأخلاقية؛ إذ لا يقف الاتحاد الوطني في خانة تصفية الحسابات الإقليمية، إنما ينطلق من رؤية استراتيجية ترى أن التوتر الإقليمي لا يخدم أمن شعوب المنطقة، وأن السلام العادل وحده هو ما يحقق الاستقرار الذي يحتاجه الجميع.
استهداف متعمد للمبادرات الدبلوماسية
وفي البيان إشارة دقيقة إلى أن هذه العمليات العسكرية تشكل “استهدافاً متعمداً للمبادرات الدبلوماسية” التي كانت قد بدأت تشق طريقها من جديد عبر حوارات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، ولعل خطورة هذه الهجمات لا تكمن فقط في حجم الخسائر البشرية والمادية التي خلفتها، بل في الرسالة السلبية التي تبعث بها لكل الجهود الساعية إلى إعادة بناء جسور التفاهم وتقليل منسوب التصعيد في منطقة تعيش أصلاً فوق فوهة من البراكين السياسية والأمنية.
ولأن الاتحاد الوطني الكردستاني ينظر بعين استراتيجية إلى أمن واستقرار الشرق الأوسط، فقد أكد البيان أن شعوب المنطقة بحاجة إلى “سلام دائم، لا يتحقق إلا عبر الحوار”، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في احتواء هذا التصعيد الخطير، ومنع انزلاق الأوضاع نحو مواجهة شاملة قد تعصف بالجميع دون استثناء.
وفي ختام البيان، جدد الاتحاد الوطني الكردستاني التأكيد على أن حماية استقرار وأمن إقليم كردستان تبقى في صدارة أولوياته الوطنية، مشدداً على التزامه الدائم ببذل كل الجهود الممكنة لضمان أمن المواطنين واستقرارهم في مواجهة كل موجات التصعيد التي شهدتها المنطقة في مراحل متعددة، وهو ما واظب عليه الاتحاد الوطني حتى في أحلك الأوقات التي تعرّض فيها الإقليم والمنطقة لهزات سياسية وأمنية حادة.
إرث مام جلال من أجل إرساء دعائم السلام العالمي
يستند هذا الموقف المبدئي إلى الإرث السياسي والفكري الذي لطالما حمله الرئيس الراحل مام جلال في مسيرته السياسية الطويلة، والتي عبر عنها في محافل دولية عديدة، من أبرزها خطابه التاريخي في مؤتمر الاشتراكية الدولية، حين قدم مقترحاته من أجل إرساء دعائم السلام العالمي، مؤكداً أن" الحروب لن تصنع الاستقرار، وأن الطريق الحقيقي للأمن يكمن في ترسيخ قواعد الحوار والاحترام المتبادل والتنمية المتوازنة".
إن موقف الاتحاد الوطني الكردستاني من التصعيد الإسرائيلي -الإيراني يعكس اليوم مجدداً الثوابت التي طالما ميزت رؤيته السياسية: التمسك بالشرعية الدولية، احترام سيادة الدول، دعم جهود الحوار، والابتعاد عن سياسة المحاور، مع التزام لا يتزعزع بحماية السلم والأمن في كردستان والعراق والمنطقة ككل.
الاتحاد الوطني الكردستاني يثبت من جديد أنه ليس مجرد فاعل كردي أو عراقي، بل طرف أساسي في معادلة الاستقرار الإقليمي، يرفع راية الحوار حين يعلو صوت المدافع، ويتمسك بالشرعية الدولية حين تنهار جدران القانون الدولي تحت وقع الصواريخ.
إنها سياسة “الند المسؤول” لا التابع، وسياسة “الشراكة المتوازنة” لا الارتهان، التي تشكل اليوم أحد أعمدة استقرار كردستان ودورها الإيجابي في محيطها الإقليمي والدولي.
في زمن الانقسامات الكبرى والمغامرات العسكرية ، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مثل هذا الصوت المتزن والمسؤول، القادر أن يذكّر الجميع بأن منطق السلام هو الخيار الأكثر واقعية في عالم يضيق بتبعات الحروب والنزاعات.
|