*كتب المقال في 16-12-2025
اثارت زيارة مسعود البرزاني لاحدى المدن الكردية في تركيا جدلا سياسيا واسعا، ليس بسبب الزيارة بحد ذاتها، بل بسبب دخول عدد من افراد حمايته الاراضي التركية الذين اوجه لهم تحية واعتزاز لوضعهم علم اقليم كوردستان الدستوري على كتفهم ،ففي الوقت الذي رأى فيه البعض ان وجود الحمايات اجراء طبيعي لشخصية سياسية رفيعة، خرجت اصوات داخل تركيا – من احزاب قومية ومحافظة وحتى معارضة – تنتقد السماح بدخول هذه القوة المرافقة، معتبرة ذلك تجاوزا على سيادة الدولة التركية.
المفارقة اللافتة هنا ان تركيا نفسها تملك في شمال العراق اكثر من مئة الف جندي منتشرين ضمن خطوط تماس استراتيجية، فضلا عن ما يزيد عن مئة قاعدة عسكرية وثكنة رسمية داخل مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، دون ان يصدر اعتراض مكافئ او موقف مشابه من اربيل او بغداد بنفس الحدة او الزخم الاعلامي والسياسي.
هذه المعادلة تفتح الباب امام سؤال جوهري:كيف يمكن لبلد ان يتحسس من دخول عشرات الحمايات، بينما يمارس وجودا عسكريا كثيفا داخل اراضي غيره دون حساب؟
الرسالة – سواء قيلت بصراحة او مررت ضمنيا – بدت واضحة:هناك في تركيا احزاب واتجاهات سياسية تتشبث بسيادتها وتحتكم لقرار وطني صارم، لا تسمح حتى بثغرة بروتوكولية تمر دون تعليق. وهذه المقاربة، مهما اختلفنا سياسيا معها، تشكل درسا مهما لبرزاني ولكل القوى العراقية والكردية بان السيادة لا تكتسب بالشعارات، بل تحمى بالمواقف.
تركيا التي انتقدت دخول الحمايات، هي نفسها التي تتحرك بثقة داخل عمق جغرافي كردستاني عراقي، لا لشيء سوى لغياب موقف وطني موحد يحفظ الحد الادنى من التوازن والندية. يغدو الجدل التركي هنا، رغم بساطته الظاهرية، مرآة تعكس الفرق بين خطابين:احزاب تحرس سيادة حدودها بالميليمتر، واخرى تترك حدودها مفتوحة للكتيبة واللواء والقاعدة.
قد لا يكون الرد على الانتقاد التركي بالتصعيد او العناد، لكن الواقعة تذكير سياسي ثقيل بان السيادة لا تستعاد بالتمنيات، وان صمت اليوم قد يتحول الى عرف دائم غدا. زيارة البرزاني رسالة ود، لكن النقد التركي رسالة يقظة: