سيفر..المعاهدة الدولية الاولى التي تعترف بحقوق الشعب الكردي
معاهدة سيفْر هي معاهدة السلام التي تم التوقيع عليها في 10 أغسطس 1920 عقب الحرب العالمية الأولى بين الإمبراطورية العثمانية لكنها لم تبرم على الإطلاق بل إن الحركة القومية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك بعد أن تولت الحكم في تركيا في 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 1923 رفضت ما جاء في هذه المعاهدة، واعتبرت أن بنودها تمثل ظلما وإجحافا بالدولة التركية، وذلك لأنها أجبرت على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت واقعة تحت نفوذها، وقد نصت هذه المعاهدة على:
*منح تراقيا والجزر التركية الواقعة في بحر إيجه لليونان.
*الاعتراف بكل من سوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب.
* الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية.
*الاعتراف باستقلال أرمينيا.
* الاعتراف بدولة كردية مستقلة ذاتياً في الجنوب الشرقي . والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى هذه الدولة.
* على تركية تسليم أسطولها وإنقاص جيشها إلى خمسين ألف جندي.
*اعتبار مضائق البسفور والدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.
وفيما يتعلق ببنود المعاهدة الخاصة بالشأن الكردي فقد نصت على:
حصول كردستان على الاستقلال حسب البندين 62 و 63 من الفقرة الثالثة، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استنادا إلى البند 62 وكان نص هذا البند:
"إذا حدث خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين إن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم بأن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة. وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لاتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وبين تركيا".
وقد رفضت حكومة أتاتورك قبول هذه المعاهدة وعملت على إخراج اليونانيين من آسيا الصغرى وأصرت على تسوية جديدة تحققت لها بالفعل في معاهدة لوزان عام 1923 التي تجاهلت ما أقرته معاهدة سيفر من حقوق للكرد.
الخلفية
عندما وقعت هدنة (مودروس) في 30 تشرين الأول 1918 بدا وكأن مصير الامبراطورية العثمانية قد تقرر باتفاقات مختلفة موقعة بين الحلفاء. والذي كان من أهمها معاهدة سيفر التي نتحدث عنها، والاتفاق الانجليزي ـ الفرنسي المعروف (سايكس ـ بيكو) الموقع في 16 أيار 1916. واتفاق (سان جان دي موريان) الفرنسي ـ الانجليزي ـ الإيطالي الموقع في نيسان 1917.
واعترف هذا الأخير بحقوق إيطاليا على جزء كبير من جنوب الأناضول مع (سميرن) و(آضاليا) و(قونيه) وكان هذا الاتفاق مشروطاً بموافقة الحكومة الروسية التي نقضته.
وسارع الانجليز والفرنسيون إلى تأييد النقض لإخراج إيطاليا من المنطقة.
وبدأت الحكومتان الفرنسية والانجليزية مؤيدتين للادعاءات اليونانية والتي تمتد حتى منطقة سميرن. وكانت اليونان قد احتلت هذه المدينة في أيار 1919.
وقام الإيطاليون بإنزال في منطقة أضاليا. وأخيراً تقرر في مؤتمر لندن في شباط 1920، بأن يحتفظ الأتراك بالقسطنطينية، وأن يقيم اليونانيون في منطقة سميرن، والإيطاليون في آضاليا، والفرنسيون في كيلكيا.
وفي نيسان 1920 أضاف مؤتمر (سان ريمو) تحديدات أخرى:
** أن تمتلك اليونان كامل التراس الشرقية، وأن ينزع سلاح المضائق وتحيد تحت إشراف لجنة دولية. ورفضت الولايات المتحدة عرضاً بالانتداب على أرمينية والقسطنطينية والمضائق.
أهم بنود معاهدة سيفر في آب 1920
البند ٦٢:
تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء معينين من قِبل الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية مركزها اسطنبول، خلال ستة أشهر من تاريخ تنفيذ مفعول هذه المعاهدة، بإعداد مشروع حكم ذاتي محلي للمناطق التي يشكل فيها الأكراد الأكثرية والتي تقع إلى الشرق من الفرات وإلى الجنوب من الحدود الجنوبية لأرمينيا، كما تحدد فيما بعد، وإلى الشمال من الحدود التركية مع سوريا و ميزوبوتاميا بشكل متوافق مع الوصف الوارد في الفقرة (٢ ، ٣ ، ١١) من البند السابع والعشرين من المعاهدة، وفي حال حدوث اختلاف في الرأي حول موضوع ما ، يعرض الاختلاف من قِبل أعضاء اللجنة على حكوماتهم المعنية ويجب أن تتضمن هذه الخطة الضمانات التامة لحماية الآشوريين- الكلدان وغيرهم من الأقليات العنصرية أو الدينية الداخلة في هذه المناطق، ومن أجل هذا الغرض تقوم لجنة مؤلفة من ممثلين (بريطاني و فرنسي و ايطالي و ايراني و كردي ) بزيارة الأماكن لدراسة التغيرات التي يجب إجراؤها، عند الحاجة في الحدود التركية حيثما تلتقي بالحدود الإيرانية، و لتقريرها، بحكم قرارات هذه المعاهدة .
البند ٦٣:
تتعهد الحكومة التركية من الآن بالاعتراف بقرارات اللجنتين المذكورتين في البند ٦٢ والقيام بتنفيذها خلال ثلاثة أشهر من تأريخ إبلاغها بها.
البند ٦٤:
إذا رجع الأكراد القاطنون في المناطق الواردة ضمن البند ٦٢، مجلس عصبة الأمم خلال سنة من نفاذ هذه المعاهدة، مبينين أن أكثرية سكان هذه المناطق يرغبون في الاستقلال عن تركيا، وإذا وجد المجلس آنذاك أن هؤلاء جديرون بمثل ذلك الاستقلال وإذا أوصى- المجلس – بمنحهم إياه، فتتخلى عن كل ما لها من حقوق وحجج قانونية في هذه المناطق، وتصبح تفاصيل هذا التنازل موضوع اتفاق خاص بين الدول الحليفة الرئيسة وتركيا، وإذا وقع قبل هذا، وفي الوقت الذي يحدث فيه، فإن الدول الحليفة الرئيسة لن تضع أي عراقيل بوجه الانضمام الاختياري للأكراد القاطنين في ذلك الجزء من كردستان الذي ما زال حتى الآن ضمن ولاية الموصل، إلى هذه الدولة الكردية المستقلة .
إن هذه المعاهدة أدت إلى انفصال الحركة القومية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك عن الباب العالي في اسطنبول، وتم تشكيل برلمان في أنقرة عام ١٩٢٠م، وهنا ظهرت عدم جدية دول الحلفاء للتوقيع على المعاهدة، باستثناء إيطاليا، وبعد تولي الحركة القومية التركية الحكم في ٢٩ تشرين الأول ١٩٢٣ بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وتأسيس الجمهورية التركية التي اعتبرت أن بنود هذه المعاهدة تمثل ظلماً بالدولة التركية بسبب خسارة تركيا لحجم هائل من المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية، لذلك حاولت تركيا إقناع دول الحلفاء بتوقيع معاهدة جديدة هي معاهدة لوزان في عام ١٩٢٣ .
ثلاثة بنود تتعلّق بالقضية الكردية
وقد نجح شريف باشا في إدخال ثلاثة بنود تتعلّق بالقضية الكرديّة في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في آب (أغسطس) ١٩٢٠، وقد كرّس ذلك عملية تدويل القضية الكرديّة بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مراراً أن تصف القضية الكرديّة بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلّها.
وتعد معاهدة سيفر وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكرديّة، حيث نصّت على تحقيق حل المشكلة الكرديّة بمراحل، وإذا اجتاز الكرد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهليّة الكرد لذلك يصبح الاستقلال أمراً واقعياً، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك...
ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيما حق تقرير المصير حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية، وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمثابة حكم الاعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة... ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، إلا أن هذا الورق أصبح وقوداً لنضال الحركة القومية الكرديّة فيما بعد.
انتهاك الوعود
ولم تر معاهدة سيفر النور، وذلك ـ ـ للأسباب الآتية:
أولاً: صعود نجم «مصطفى أتاتورك» والحركة الكمالية، وتوسيع مناطق نفوذها، إضافة إلى تأسيس المجلس الوطني الكبير في أنقرة بديلاً لسلطة الأستانة.
ثانياً: خوف الدول الأوروبية، وبالأخص بريطانيا، من استغلال الشيوعيين في الاتحاد السوفياتي الصراع الكمالي ـ الأوروبي لمصلحة نفوذهم في المنطقة.
ثالثاً: ذكاء مصطفى كمال باستغلاله الصراع الدولي لإلغاء معاهدة سيفر وقبرها.
لذلك لم يمر عام ونصف العام على توقيع معاهدة سيفر حتى طرحت فكرة إعادة النظر فيها، وجاءت هذه المواقف من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتخذ المجلس الأعلى للحلفاء قراراً بهذا الشأن يوم (٢٥ كانون الثاني/يناير ١٩٢١)، إضافة إلى توجيه الدعوة إلى وفد حكومة أنقرة لحضور المؤتمر القادم، الأمر الذي دلّ على اعتراف الحلفاء بالواقع الجديد في تركيا.
|